للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لِلسَّائِلِ: أَرَأَيْتَهُ فِي كُتُبِي؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَوْ كَانَ حُجَّةً، لَرَأَيْتَهُ. أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ. فَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا أَنَّهُ لَا يَرْوِي إِلَّا عَنْ حُجَّةٍ ثَبْتٍ، وَلِهَذَا قِيلَ: إِذَا ذُكِرَ الْحَدِيثُ؛ فَمَالِكٌ النَّجْمُ.

وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مِنْ مَذْهَبِ الرَّاوِي، أَوْ عَادَتِهِ، أَوْ صَرِيحِ قَوْلِهِ، أَوْ دَلَالَتِهِ الظَّاهِرَةِ، كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ، لَمْ تَكُنْ رِوَايَتُهُ تَعْدِيلًا لِمَنْ رَوَى عَنْهُ، إِذْ قَدْ يَرْوِي الشَّخْصُ عَمَّنْ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ، لَسَكَتَ؛ إِمَّا لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحَالِهِ، أَوْ تَفْوِيضًا إِلَى السَّائِلِ أَمْرَ الْبَحْثِ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: «وَقَوْلُهُ: سَمِعْتُ فُلَانًا صَدَقَ» ، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ.

وَتَقْرِيرُهُ: لَوْ لَمْ تَكُنْ رِوَايَتُهُ تَعْدِيلًا لِلرَّاوِي، لَكَانَ غَاشًّا فِي الدِّينِ، إِذْ قَدْ يَرْوِي عَمَّنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَيُوهِمُ النَّاسَ عَدَالَتَهُ بِرِوَايَتِهِ عَنْهُ، حَيْثُ يَقُولُ: سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ كَذَا.

وَجَوَابُهُ: أَنَّ قَوْلَهُ: سَمِعْتُ فُلَانًا صَدَقَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عَدَالَةُ فُلَانٍ، إِذْ قَدْ يَحْصُلُ السَّمَاعُ مِنَ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا تَرْكُهُ بَيَانَ حَالِهِ؛ فَلَعَلَّهُ جَهِلَ حَالَهُ؛ فَرَوَى عَنْهُ، وَوَكَّلَ الْبَحْثَ عَنْ حَالِهِ إِلَى مَنْ أَرَادَ قَبُولَ رِوَايَتِهِ، أَيْ: جَعَلَهُ مَوْكُولًا، أَيْ: مُفَوَّضًا إِلَيْهِ.

يُقَالُ: وَكَلْتُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ، أَيْ: فَوَّضْتُهُ إِلَيْهِ، وَاعْتَمَدْتُ فِيهِ عَلَيْهِ، وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ مَقْصُودَ الرِّوَايَةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَمْرَانِ:

أَحَدُهُمَا: حِفْظُ السُّنَّةِ بِطُرُقِهَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الثَّانِي: تَبْيِينُ صَحِيحِهَا مِنْ سَقِيمِهَا.

وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ هِيَ وَظِيفَةُ الْمُحَدِّثِينَ، لَكِنَّ بَعْضَهُمُ الْتَزَمَهُمَا جَمِيعًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>