. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لِأَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى إِعْطَائِهِ الْكِتَابَ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: ارْوِهِ عَنِّي، لَمْ تَجُزِ الرِّوَايَةُ، وَإِنَّمَا جَازَتْ بِلَفْظِ الْإِذْنِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمُسْتَقِلُّ بِهَا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا مُنَاوَلَةً؛ لِأَنَّ الْمُحَدِّثِينَ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمْ يُنَاوِلُ الْآخَرَ كِتَابًا؛ فَيَقُولُ: ارْوِهِ عَنِّي، عَادَةً وَاتِّفَاقًا، لَا اشْتِرَاطًا لِإِعْطَاءِ الْكِتَابِ فِي الْمُنَاوَلَةِ، وَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْمُنَاوَلَةُ نَوْعَ إِجَازَةٍ.
قَوْلُهُ: «فَيَقُولُ فِيهِمَا» ، أَيْ: فِي الْإِجَازَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ، يَقُولُ الرَّاوِي: حَدَّثَنِي فُلَانٌ إِجَازَةً، أَوْ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ إِجَازَةً «فَإِنْ لَمْ يَقُلْهَا» ، أَيْ: إِنْ لَمْ يَقُلْ إِجَازَةً، بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: حَدَّثَنِي، أَوْ أَخْبَرَنِي، «فَقَدْ أَجَازَهُ قَوْمٌ» ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ وَالْمُنَاوَلَةَ فِي مَعْنَى إِسْمَاعِ الشَّيْخِ، وَقِرَاءَةِ الرَّاوِي عَلَيْهِ، «وَهُوَ» ، أَيْ: هَذَا الْقَوْلُ، «فَاسِدٌ» ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُهُ: أَخْبَرَنِي فُلَانٌ، يُشْعِرُ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ، وَهُوَ كَذِبٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا.
قَوْلُهُ: «وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ الرِّوَايَةَ بِهِمَا» ، أَيْ: بِالْإِجَازَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ، «وَفِيهِ» ، أَيْ: فِيمَا قَالَاهُ، «نَظَرٌ» ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الرِّوَايَةِ مَعْرِفَةُ صِحَّةِ الْخَبَرِ، لَا عَيْنِ طَرِيقِهِ الَّتِي هُوَ ثَابِتٌ بِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ طَرِيقَ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُ الرَّاوِي: حَدَّثَنَا فُلَانٌ، عَنْ فُلَانٍ، إِلَى آخِرِ السَّنَدِ، إِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَى مَعْرِفَةِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَمَعْرِفَةُ صِحَّتِهِ مَقْصِدٌ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمَقَاصِدَ إِذَا حَصَلَتْ بِدُونِ الْوَسَائِلِ، سَقَطَتْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِنَفْسِهَا، وَمَعْرِفَةُ صِحَّةِ الْخَبَرِ حَاصِلَةٌ بِالْإِجَازَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ عَدْلٌ جَازِمٌ بِالْإِذْنِ فِي الرِّوَايَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا أَذِنَ إِلَّا فِيمَا هُوَ عَالِمٌ بِصِحَّتِهِ وَرِوَايَتِهِ لَهُ.
وَقَدْ صَنَّفَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ جُزْءًا فِي الْإِجَازَةِ لِلْمَعْدُومِ وَذَكَرَ حُجَجَهُ وَأَقْوَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute