للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ لَمَّا كَانَ النَّسْخُ لَاحِقًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ جَمِيعًا، عَقَّبْنَاهُمَا بِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ عُذْرًا فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى السُّنَّةِ غَيْرُ مَرْضِيٍّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

قَوْلُهُ: «ثُمَّ لَمَّا كَانَ النَّسْخُ لَاحِقًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ جَمِيعًا، عَقَّبْنَاهُمَا بِهِ» ، أَيْ: ذَكَرْنَا النُّسَخَ عَقِيبَهُمَا، أَيْ: بَعْدَ انْقِضَاءِ الْكَلَامِ فِيهِمَا، وَهَذَا تَوْجِيهٌ لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ النَّسْخِ بَعْدَهُمَا.

قَوْلُهُ: «وَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ عُذْرًا فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى السُّنَّةِ غَيْرُ مَرْضِيٍّ» ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَزَالِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ النَّسْخَ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْكِتَابِ، وَقَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى السُّنَّةِ، وَاعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّسْخَ أَخَصُّ بِالْقُرْآنِ لِإِشْكَالِهِ وَغُمُوضِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، مَعَ اشْتِبَاهِهِ بِالْبَدَاءِ، وَاسْتِحَالَةِ الْبَدَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى السُّنَّةِ طَوِيلٌ، لِتَعَلُّقِهِ بِبَيَانِ أَحْكَامِ التَّوَاتُرِ وَالْآحَادِ، وَمَرَاتِبِ أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ; فَكَأَنَّهُ قَصَدَ بِضَمِّ النَّسْخِ إِلَى الْقُرْآنِ التَّعْدِيلَ بَيْنَهُمَا فِي الْمِقْدَارِ، أَيْ: أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِي الْقُرْآنِ وَالنَّسْخِ مُعَادِلًا لِلْكَلَامِ فِي السُّنَّةِ مَعَ طُولِهَا، تَحْقِيقًا أَوْ تَقْرِيبًا.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ ; لِأَنَّ مَقْصِدَهُ الْمَذْكُورَ مَعَ مُنَاسَبَةِ وَضْعِ الْأَشْيَاءِ مَوَاضِعِهَا، طَرْدِيٌّ مَحْضٌ ; فَالْمُنَاسِبُ مُتَعَيِّنُ التَّقْدِيمِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>