للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأُورِدُ عَلَى تَعْرِيفِهِ بِالرَّفْعِ: أَنَّ الْحُكْمَ ; إِمَّا ثَابِتٌ ; فَلَا يَرْتَفِعُ، أَوْ غَيْرُ ثَابِتٍ ; فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الرَّفْعِ، وَلِأَنَّ خِطَابَ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمٌ ; فَلَا يَرْتَفِعُ. وَلِأَنَّهُ إِنْ كَانَ حَسَنًا ; فَرَفْعُهُ قَبِيحٌ، وَيُوجِبُ انْقِلَابَ الْحَسَنِ قَبِيحًا، وَإِلَّا فَابْتِدَاءُ شَرْعِهِ أَقْبَحُ. وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى أَنْ يَكُونَ الْمَنْسُوخُ مُرَادًا غَيْرَ مُرَادٍ ; فَيَتَنَاقَضُ. وَلِأَنَّهُ يُوهِمُ الْبَدَاءَ، وَهُوَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ.

وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ: بِأَنَّهُ ثَابِتٌ، وَارْتِفَاعُهُ بِالنَّاسِخِ مَعَ إِرَادَةِ الشَّارِعِ، أَوْ بِانْتِهَاءِ مُدَّتِهِ، غَيْرُ مُمْتَنِعٍ قَطْعًا. وَعَنِ الثَّانِي: بِأَنَّهُ سَاقِطٌ عَنَّا، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَعْرِيفِهِ بِالْخِطَابِ الْقَدِيمِ: إِنَّ الْمُرْتَفِعَ التَّعَلُّقُ. أَوْ: إِنَّ مَا كَانَ الْإِتْيَانُ بِهِ لَازِمًا لِلْمُكَلَّفِ، زَالَ. وَعَنِ الثَّالِثِ: أَنَّهُ مِنْ فُرُوعِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ، بَلْ حُسْنُهُ شَرْعِيٌّ ; فَيَجُوزُ وَجُودُهُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ ; فَإِذَنِ انْقِلَابُهُ قَبِيحًا مُلْتَزَمٌ. وَالتَّنَاقُضُ مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ الْإِرَادَةَ تَعَلَّقَتْ بِوُجُودِهِ قَبْلَ النَّسْخِ، وَبِعَدَمِهِ بَعْدَهُ. وَالْبَدَاءُ غَيْرُ لَازِمٍ، لِلْقَطْعِ بِكَمَالِ عَلَمِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ عَلِمَ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ تَارَةً ; فَأَثْبَتَهُ، وَالْمَفْسَدَةَ تَارَةً ; فَنَفَاهُ، رِعَايَةً لِلْأَصْلَحِ، تَفَضُّلًا مِنْهُ لَا وُجُوبًا، أَوِ امْتِحَانًا لِلْمُكَلَّفِينَ بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي.

ــ

قَوْلُهُ: «وَأُورِدُ عَلَى تَعْرِيفِهِ بِالرَّفْعِ» ، إِلَى آخِرِهِ. مَعْنَاهُ أَنْ تَعْرِيفَ النَّسْخِ بِأَنَّهُ رَفْعُ الْحُكْمِ، يَرِدُ عَلَيْهِ إِشْكَالَاتٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْحُكْمَ قَبْلَ النَّسْخِ إِمَّا ثَابِتٌ، أَوْ غَيْرُ ثَابِتٍ، فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا، لَمْ يُمْكِنْ رَفْعُهُ بِالنَّاسِخِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ ارْتِفَاعُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْحُكْمِ الطَّارِئِ، بِأَوْلَى مِنِ انْدِفَاعِ الطَّارِئِ بِالثَّابِتِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى، لِاسْتِقْرَارِ الثَّابِتِ وَتَمَكُّنِهِ ; فَيَكُونُ النَّاسِخُ الطَّارِئُ دَخِيلًا عَلَيْهِ، بِمَثَابَةِ الْغَرِيبِ إِذَا دَخَلَ غَيْرَ وَطَنِهِ ; فَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ صَاحِبِ الْوَطَنِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الرَّفْعِ، بَلْ هُوَ مُرْتَفِعٌ بِنَفْسِهِ.

الثَّانِي: أَنَّ خِطَابَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدِيمٌ، وَالْقَدِيمُ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ ; لِأَنَّ الرَّفْعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>