للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَالَ الْآمِدِيُّ: وَمَنَعَ مِنْهُ أَيْضًا بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ.

قَوْلُهُ: «لَنَا: لَا يَمْتَنِعُ» ، إِلَى آخِرِهِ، أَيْ: لَنَا عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ إِلَى الْأَثْقَلِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ، لَامْتَنَعَ لِذَاتِهِ، أَوْ لِتَضَمُّنِهِ مَفْسَدَةً، لَكِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ; فَلَا يَمْتَنِعُ أَصْلًا.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ لِذَاتِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ وُقُوعُهُ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مُحَالٌ لِذَاتِهِ، بَلْ قَدْ وَقَعَ، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مُحَالٌ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ لِذَاتِهِ، أَيْ: لِكَوْنِهِ نَسْخًا لِلْأَخَفِّ إِلَى الْأَثْقَلِ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ لِتَضَمُّنِهِ مَفْسَدَةً ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَفْسَدَةِ فِيهِ، وَمَا يَدَّعِيهِ الْخَصْمُ مَفْسَدَةً فِيهِ، سَنُجِيبُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، بَلْ قَدْ يَتَضَمَّنُ مَصْلَحَةً عَظِيمَةً، وَهُوَ تَدْرِيجُ الْمُكَلَّفِ مِنَ الْأَخَفِّ إِلَى الْأَثْقَلِ ; فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ، وَلَا يَتَبَرَّمُ بِهِ ; فَبَانَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ لِذَاتِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ ; فَلَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا أَصْلًا ; فَيَكُونُ جَائِزًا.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ قَدْ وَقَعَ، وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْجَوَازِ. وَبَيَانُ وُقُوعِهِ بِصُوَرٍ:

إِحْدَاهُنَّ: نَسْخُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفِدْيَةِ وَالصِّيَامِ إِلَى تَعْيِينِهِ ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، يُخَيَّرُ أَحَدُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَصُومَ، وَبَيْنَ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ ; فَنُسِخَ ذَلِكَ إِلَى وُجُوبِ الصِّيَامِ عَيْنًا، وَذَلِكَ أَثْقَلُ مِنَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: تَأْخِيرُ صَلَاةِ الْخَوْفِ حَالَ الْقِتَالِ إِلَى وُجُوبِهَا عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [الْبَقَرَةِ: ٢٣٩] ، وَكَانَ لَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ تَأْخِيرُهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْقِتَالُ، وَوُجُوبُهَا فِي وَقْتِهِ أَثْقَلُ.

الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: نَسْخُ تَرْكِ الْقِتَالِ إِلَى وُجُوبِهِ، فَإِنَّ الْقِتَالَ كَانَ مَتْرُوكًا فِي أَوَّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>