. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَتَقْتَضِي أَنَّهَا مُفَصَّلَةٌ فِي الشَّرْعِ، ثُمَّ إِنَّا نَرَى كَثِيرًا مِنَ الْأَحْكَامِ غَيْرَ مُفَصَّلٍ، لَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ، إِذْ قَدْ تَقَعُ حَوَادِثُ غَرَائِبُ، لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا كَلَامٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَحَالَ بِالتَّفْصِيلِ عَلَى مُجْتَهَدِي كُلِّ عَصْرٍ، فَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مُطْلِقٌ أَوْ مُقَيِّدٌ تَمَسَّكَ فِي حُكْمٍ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ، كَانَ مَا أَفْتَى بِهِ حُكْمًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَفْصِيلًا مِنْهُ بِمُقْتَضَى النَّصِّ الْمَذْكُورِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ} عَامٌّ مَخْصُوصٌ، أَوْ عَلِمْنَا تَفْصِيلَهُ، وَإِنْ لَمْ نَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ، لَكِنْ هُوَ تَخْصِيصٌ وَتَأْوِيلٌ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ.
وَأَمَّا «الِاسْتِدْلَالُ» ، فَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ دَلَّ يَدُلُّ، وَمُقْتَضَاهُ بِحَسَبِ اللُّغَةِ طَلَبُ الدَّلِيلِ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ طَلَبُهُ مِنَ الْمُجْتَهِدِ أَوْ غَيْرِهِ، إِذَا أَرَادَ مَعْرِفَةَ الْحُكْمِ لِيَعْمَلَ بِهِ، أَوْ يُعَلِّمَهُ غَيْرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ مِنَ السَّائِلِ لِلْمُسْتَدِلِّ، كَقَوْلِ الْحَنْبَلِيِّ لِلْحَنَفِيِّ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْوُضُوءِ بِدُونِ النِّيَّةِ؟ وَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا الْأَوَّلُ، وَهُوَ طَلَبُ الْحُكْمِ بِالدَّلِيلِ مِنْ نَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ.
وَقَدْ يُطْلَقُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى مَا أَمْكَنَ التَّوَصُّلُ بِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ، وَلَيْسَ بِوَاحِدٍ مِنَ الْأَدِلَّةِ الثَّلَاثَةِ، كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ ذِكْرِ الْأَدِلَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute