للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الْبَقَرَةِ: ١٠٦] ; فَحَصَرَ اللَّهُ تَعَالَى النَّاسِخَ فِي كَوْنِهِ خَيْرًا مِنَ الْمَنْسُوخِ، أَوْ مِثْلَهُ، وَالسُّنَّةُ لَا تُسَاوِي الْقُرْآنَ ; فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ خَيْرًا مِنْهُ ; فَلَا تَكُونُ نَاسِخَةً لَهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْقُرْآنُ يَنْسَخُ حَدِيثِي، وَحَدِيثِي لَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَهُوَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَنْسَخُ لَفْظَ الْقُرْآنِ ; فَكَذَلِكَ لَا تَنْسَخُ حُكْمَهُ، لِاشْتِرَاكِ لَفْظِ الْقُرْآنِ وَحُكْمِهِ فِي الْقُوَّةِ وَالتَّعْظِيمِ، وَصِيَانَتِهِ عَنْ أَنْ يُرْفَعَ بِمَا هُوَ دُونَهُ. وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} فِي الْحُكْمِ وَمَصْلَحَتِهِ، وَالسُّنَّةُ تُسَاوِي الْقُرْآنَ فِي ذَلِكَ، إِذِ الْمَصْلَحَةُ الثَّابِتَةُ بِالسُّنَّةِ قَدْ تَكُونُ أَضْعَافَ الْمَصْلَحَةِ الثَّابِتَةِ بِالْقُرْآنِ ; إِمَّا فِي عِظَمِ الْأَجْرِ، بِنَاءً عَلَى نَسْخِ الْأَخَفِّ بِالْأَثْقَلِ، أَوْ فِي تَخْفِيفِ التَّكْلِيفِ، بِنَاءً عَلَى نَسْخِ الْأَثْقَلِ بِالْأَخَفِّ.

قَوْلُهُ: " أَوْ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ". هَذَا جَوَابٌ آخَرُ عَنِ الْآيَةِ، وَهُوَ أَنَّ فِيهَا تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، تَقْدِيرُهُ: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ نَأْتِ مِنْهَا بِخَيْرٍ ; فَلَا يَكُونُ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ أَصْلًا، إِذْ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى إِثْبَاتِ النَّاسِخِ أَصْلًا، كَمَا سَبَقَ فِي النَّسْخِ إِلَى غَيْرِ بَدَلٍ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ ; فَلَا تَقُومُ الْحُجَّةُ بِمِثْلِهِ هَهُنَا ; لِأَنَّهُ أَصْلٌ كَبِيرٌ، وَمِثْلُهُ لَا يَخْفَى فِي الْعَادَةِ، لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِ مَا كَانَ كَذَلِكَ عَادَةً. فَلَوْ ثَبَتَ، لَاشْتُهِرَ، ثُمَّ لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِشُهْرَتِهِ وَدَلَالَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>