. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَنْصُوصَةً، أَمَّا إِنْ كَانَتَا مُسْتَنْبَطَتَيْنِ، أَوْ عِلَّةُ الْمُتَأَخِّرِ مُسْتَنْبَطَةً ; فَحُكْمُهَا التَّرْجِيحُ كَمَا سَبَقَ، وَيَضْعُفُ النَّسْخُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ قِيَاسٌ أَمْ لَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِثَالُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الْإِسْرَاءِ: ٢٣] ، نَبَّهَ عَلَى تَحْرِيمِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ; فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ ضَرْبَهُمَا كَانَ مُبَاحًا قَبْلَ هَذَا التَّنْبِيهِ، كَانَ هُوَ نَاسِخًا لِإِبَاحَةِ الضَّرْبِ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ إِبَاحَةَ ضَرْبِهِمَا شُرِعَتْ بَعْدَ التَّنْبِيهِ الْمَذْكُورِ، كَانَتْ نَاسِخَةً لَهُ ; فَهُوَ - أَعْنِي التَّنْبِيهَ - نَاسِخٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، مَنْسُوخٌ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
قَوْلُهُ: «وَنَسْخُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ يُبْطِلُ حُكْمَ الْمَفْهُومِ، وَمَا ثَبَتَ بِعِلَّتِهِ، أَوْ دَلِيلِ خِطَابِهِ ; لِأَنَّهَا تَوَابِعُ ; فَسَقَطَتْ بِسُقُوطِ مَتْبُوعِهَا، خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ» .
مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ: أَنَّ الْمَنْطُوقَ - وَهُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ بِالْمُطَابَقَةِ أَوِ التَّضَمُّنِ - إِذَا نُسِخَ ; بَطَلَ حُكْمُ مَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ مِنْ مَفْهُومِهِ، وَمَعْلُولِهِ، وَدَلِيلِ خِطَابِهِ ; لِأَنَّهَا تَوَابِعُ لَهُ، وَإِذَا بَطَلَ الْمَتْبُوعُ، بَطَلَ التَّابِعُ، وَإِذَا انْتَفَى الْأَصْلُ، انْتَفَى فَرْعُهُ.
وَخَالَفَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ ; فَقَالُوا: لَا يَبْطُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ يَخْتَصُّ النَّسْخُ بِالْمَنْطُوقِ وَحْدَهُ، وَمَا خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ النُّطْقِ ; فَهُوَ حُكْمٌ مُسْتَقِلٌّ ; فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِهِ نَسْخُهُ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ غَيْرَهُ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرُوهُ: أَنَّ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ غَيْرِ الْمَنْطُوقِ الْمَنْسُوخِ، لَيْسَ فَرْعًا عَلَيْهِ وَتَبَعًا لَهُ ; فَلِذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute