. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ عَادَةَ الْمُلُوكِ إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ مُهِمٌّ، إِنَّمَا يَسْتَشِيرُونَ مَنْ حَضَرَهُمْ مِنْ وُزَرَائِهِمْ وَنُدَمَائِهِمْ، لَا أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ لَهُمْ رَعِيَّةً يَأْتَمِرُونَ بِأَوَامِرِهِمْ ; فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ فِرْعَوْنَ لِمَنْ حَوْلَهُ: مَاذَا تَأْمُرُونَ؟ ، اسْتِشَارَةٌ لَا ائْتِمَارٌ، عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ هَاهُنَا إِنَّمَا هُوَ بِقَوْلِ فِرْعَوْنَ، وَلَمْ يَدُلَّ النَّصُّ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ، وَهُوَ لَيْسَ حُجَّةً فِي نَفْسِهِ ; فَجَازَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ، أَوْ وَرَدَ عَلَيْهِ وَارِدٌ عَظِيمٌ مِنْ أَمْرِ مُوسَى، صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَخَلَّ بِشَرْطِ الْأَمْرِ، وَقَلَبَ حَقِيقَتَهُ، خُصُوصًا وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، عَاتَبَهُ فِرْعَوْنُ بِمَا قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ، ثُمَّ قَالَ لِأَعْوَانِهِ: خُذُوهُ ; فَبَادَرَهُمْ مُوسَى بِإِلْقَاءِ عَصَاهُ ; فَصَارَتْ ثُعْبَانًا عَظِيمًا ; فَانْهَزَمُوا مِنْهُ مُزْدَحِمِينَ، حَتَّى هَلَكَ مِنْهُمْ بِالزِّحَامِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، وَكَانَ فِرْعَوْنُ لَا يَدْخُلُ الْخَلَاءَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلَّا مَرَّةً ; فَتَرَدَّدَ إِلَى الْخَلَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَرْبَعِينَ مَرَّةً ; فَلَعَلَّهُ لَمَّا رَأَى هَذَا الْهَوْلَ، اخْتَلَطَ عَقْلُهُ ; فَقَلَبَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ، وَأَخَلَّ بِشَرْطِهِ وَهُوَ الِاسْتِعْلَاءُ.
وَيَكُونُ هَذَا، كَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْجُبَنَاءِ، أَنَّ الْعَدُوَّ أَرْهَقَهُ ; فَقَامَ لِيَلْجِمَ فَرَسَهُ فِي رَأْسِهِ ; فَأَلْجَمَهُ فِي ذَنَبِهِ، ثُمَّ لَمَّا رَكِبَ، وَرَاحَ مُنْهَزِمًا، أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ ; فَمَرَّ بِقَوْمٍ ; فَقَالَ: أَطْعِمُونِي مَاءً ; فَقَالَ فِيهِ الشَّاعِرُ يَهْجُوهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute