للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلْمَ الشَّرْعِيَّ الْمَقْصُودَ لِذَاتِهِ، إِمَّا مُتَعَلِّقٌ بِالْعَقَائِدِ الْقَلْبِيَّةِ، وَهُوَ عِلْمُ أُصُولِ الدِّينِ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَفْعَالِ الْبَدَنِيَّةِ، وَهُوَ عِلْمُ الْفِقْهِ، وَوَقَعَ عِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ وَاسِطَةً بَيْنَهُمَا، فَهُوَ يَسْتَمِدُّ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، وَيَمُدُّ فُرُوعَ الْفِقْهِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ مَوَادِّهِ عِلْمُ الْكَلَامِ، وَهُوَ أُصُولُ الدِّينِ، وَتَصَوُّرُ فُرُوعِ الْأَحْكَامِ لِتَمَكُّنِ الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِنَفْيٍ أَوْ إِثْبَاتٍ عِنْدَ ضَرْبِ الْأَمْثِلَةِ، وَحِينَئِذٍ لَوْ لَمْ يَقُلْ: عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ، لَدَخَلَتِ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا أُصُولًا لِلْفِقْهِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا فُرُوعًا لِأُصُولِ الدِّينِ، فَبِالتَّفْصِيلِيَّةِ خَرَجَتْ عَنِ الدُّخُولِ فِي حَدِّ الْفِقْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ قَوِيٌّ.

وَأَحْسَبُ أَنِّي وَهِمْتُ فِي قَوْلِي: «الْحَاصِلَةُ عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ» احْتِرَازًا عَمَّا ذَكَرْتُ، مِنْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ وَنَحْوَهُ حُجَّةٌ، لِأَنَّ مَسَائِلَ كُلِّ عِلْمٍ وَأَحْكَامَهُ، حَاصِلَةٌ عَنْ أَدِلَّةٍ تَفْصِيلِيَّةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ الْعِلْمِ، فَيَكُونُ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً حُكْمًا حَصَلَ عَنْ دَلِيلٍ تَفْصِيلِيٍّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أُصُولِ الْفِقْهِ، وَسَيَأْتِي مِثَالُ هَذَا عَنْ قَرِيبٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَالْمِثَالُ الصَّحِيحُ لِمَا حَصَلَ مِنَ الْأَحْكَامِ عَنْ أَدِلَّةٍ إِجْمَالِيَّةٍ، وَوَقَعَ الِاحْتِرَازُ بِالتَّفْصِيلِيَّةِ عَنْهُ، هُوَ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي فَنِّ الْخِلَافِ، نَحْوَ ثَبَتَ الْحُكْمُ بِالْمُقْتَضِي وَانْتَفَى بِوُجُودِ النَّافِي، فَإِنَّ هَذِهِ قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ إِجْمَالِيَّةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي غَالِبِ الْأَحْكَامِ، إِذْ يُقَالُ مَثَلًا: وُجُوبُ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ، حُكْمٌ ثَبَتَ بِالْمُقْتَضِي، وَهُوَ تَمْيِيزُ الْعِبَادَةِ عَنِ الْعَادَةِ، وَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: عَدَمُ وُجُوبِهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَسْنُونِيَّتِهِ، حُكْمٌ ثَبَتَ بِالْمُقْتَضِي، وَهُوَ أَنَّ الْوُضُوءَ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ بِدُونِ النِّيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>