. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْكِفَايَةِ؟ فَقِيلَ: فَاعِلُ فَرْضِ الْعَيْنِ ; لِأَنَّ فَرْضَهُ أَهَمُّ، وَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَقِيلَ: فَاعِلُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ ; لِأَنَّ نَفْعَهُ أَعَمُّ، إِذْ هُوَ يُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا مَنْسُوبٌ إِلَى إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ.
قُلْتُ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْ وَجْهٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الرَّابِعَةُ: هَلْ يَتَعَيَّنُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ، وَيَجِبُ إِتْمَامُهُ عَلَى مَنْ تَلَبَّسَ بِهِ أَمْ لَا؟ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ، كَالْمُجَاهِدِ يَحْضُرُ الصَّفَّ، وَطَالِبِ الْعِلْمِ يَشْرَعُ فِي الِاشْتِغَالِ بِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِهِ.
وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ بِالشُّرُوعِ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَهُوَ انْعِقَادُ سَبَبِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، مِنَ التَّكْلِيفِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَخُرُوجِهِ عَنْ عُهْدَتِهِ ; فَلَا يَجُوزُ لَهُ إِبْطَالُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحَقٍّ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ: أَنَّ مَا لَا يَجِبُ الشُّرُوعُ فِيهِ، لَا يَجِبُ إِتْمَامُهُ فِي غَيْرِ الْحَجِّ، كَصَوْمِ التَّطَوُّعِ وَصَلَاتِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ بِالشُّرُوعِ، لَمَا جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ، لَكِنَّهُ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا: بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَهُ حَظٌّ فِي الْوُجُوبِ بِالْجُمْلَةِ، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّحْقِيقِ كَمَا تَقَرَّرَ، بِخِلَافِ صَوْمِ النَّفْلِ ; فَإِنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي الْوُجُوبِ أَصْلًا، مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَوْجَبَ إِتْمَامَهُ ; فَيَلْتَزِمُ عَلَى قَوْلِهِ ; فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْقَاضِي، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ ; لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالنَّاسِ، وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ، جَازَ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ، لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُتَلَبِّسًا بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ وَكِيلَ الْإِمَامِ وَنَائِبَهُ، وَالْوَكِيلُ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute