للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ.

قُلْتُ: وَالْأَشْعَرِيَّةُ يُفَرِّعُونَ هَذَا عَلَى تَحْقِيقِ كَلَامِ النَّفْسِ، بِمَعْنَى أَنَّ طَلَبَ إِيقَاعِ الْفِعْلِ مِنَ الْمَعْدُومِ ; إِذَا وُجِدَ، وَتَأَهَّلَ لِلتَّكْلِيفِ، قَامَ بِذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَزَلًا.

قُلْتُ: وَقَدْ أَبْطَلْنَا كَلَامَ النَّفْسِ فِيمَا سَبَقَ، وَبِالْجُمْلَةِ: فَالْمَسْأَلَةُ مُمْكِنَةٌ. سَوَاءٌ قُلْنَا: كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْنًى مُجَرَّدٌ، أَوْ لَفْظٌ وَمَعْنًى، عَلَى رَأْيِ أَهْلِ الْأَثَرِ.

«لَنَا» فِي الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ تَكْلِيفَ الْمَعْدُومِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَدْ وَقَعَ، وَالْجَوَازُ لَازِمٌ لِلْوُقُوعِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ وَقَعَ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَوَاخِرَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ كُلِّفُوا بِمَا كُلِّفَ بِهِ أَوَائِلُهُمْ، مِنْ مُقْتَضَى كُتُبِهِمُ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، كَالتَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ، وَصُحُفِ شِيتَ، وَإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، مَعَ أَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ تَكْلِيفِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ.

ثُمَّ إِذَا صَحَّ خِطَابُ الْمَعْدُومِ قَبْلَ وُجُودِهِ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ أَوَّلِ الْأُمَّةِ وَآخِرِهَا ; صَحَّ قَبْلَ وُجُودِهِ بِمَا لَا يَتَنَاهَى، وَهُوَ تَكْلِيفُهُ فِي الْأَزَلِ، بِالتَّفْسِيرِ الَّذِي قُلْنَاهُ، إِذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ، وَلِأَنَّ دَلِيلَ الْخَصْمِ فِي الْمَنْعِ يَعُمُّ الْحَالَيْنِ، فَإِذَا بَطَلَ فِي أَحَدِهِمَا ; بَطَلَ فِي الْآخَرِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّنَا نَحْنُ كُلِّفْنَا بِمُقْتَضَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْمُخَاطَبُ بِهِمَا غَيْرُنَا، قَبْلَ وُجُودِنَا بِسَبْعِمِائَةِ سَنَةٍ، وَيَتَزَايَدُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ بَعْدَنَا.

وَالتَّقْرِيرُ: مَا سَبَقَ فِي الْوَجْهِ قَبْلَهُ ; فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَا قُلْنَاهُ.

- قَوْلُهُ: «قَالُوا» ، هَذَا دَلِيلُ الْخَصْمِ عَلَى الْمَنْعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>