الإحرام معلقًا بإحرام الغير، وانعقاد إحرام المعلق بما أحرم به الآخر، فإن كان إحرام الغير بحج، كان هذا بحج، وإن كان بعمرة، فبعمرة، وإن كان بهما، فبهما، وإن كان مطلقًا، كان مطلقًا، ويصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة، ولا يلزمه موافقةُ الغير في الصرف.
ومن العلماء من خص التعليق بصورة غير ما ذكره الشافعية، ومنعه غيره، ومن أبي التعليق قال: الحج مخصوص بأحكام ليست في غيره، ويجعل محل الخلاف منها، والله أعلم.
قولهُ:"فَأمَرَ النبِي - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً"؛ فيه عموم لجميع أصحابه، وهو مخصوص بأصحابه الذين لم يكن معهم هدي، وهو مبين في حديث آخر، وفسخ الحج إلى العمرة كان جائزًا بهذا الحديث؛ حسمًا لمادة الجاهلية في أن الاعتمار في أشهر الحج من أفجر الفجور.
وقد اختلف الناس -فيما بعد هذه الواقعة- هل يجوز فسخ الحج إلى العمرة؛ كما في هذه الواقعة، أم لا؟ فمنهم من جوزه، ومنهم من منعه، وجعله مخصوصًا بالصحابة، وروى فيه حديثًا عن أبي ذر - رضي الله عنه -، وعن الحارث بن بلال عن أبيه -أيضًا-، وتقدم ذلك، والله أعلم.
قوله:"فَلْيَطُوفُوا ثُم يقصِّرُوا" يحتمل أن يريد بالأمر بالطواف: الطوافَ بالبيت، والسعيَ بين الصفا والمروة؛ حيث إن العمرة لا بد فيها من السعي، ويحتمل أنه استعمل الطواف فيهما؛ حيث إن السعي يسمى طوافًا، قال الله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا}[البقرة: ١٥٨].
وقوله "فَقَالُوا: ننطْلِقُ إلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يقْطُرُ! "؛ المراد بقولهم هذا: المبالغةُ في الكلام، لا حقيقة الإمذاء أو الإنزال؛ لأنهم إذا حلوا من العمرة، وواقعوا النساء، كان ذلك قريبًا من إحرامهم بالحج؛ لقرب الزمان بين الإحرام والمواقعة والإنزال، فقيل مبالغة:"وذكر أحدنا يقطر" إشارة إلى اعتبار المعنى