في الحج، وهو الشعث وترك الترفه، وطول زمن الإحرام يحصل هذا المقصود، وقصره يضعفه بعدم الشعث ووجود الترفه، وكأنهم استنكروا زوال المقصود وضعفه لقرب إحرامهم من تحللهم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِن أَمرِي مَا اسْتدبَرْتُ، مَا أَهْدَيْتُ"؛ اعترض على ذلك بقوله:"إن لو تفتحُ عملَ الشيطان"، والجمع بينهما: أن المنع من قول: لو أني فعلت كذا، لكان كذا، ولو كان كذا وكذا، لما وقع كذا وكذا، إنما هو لما فيه من صورة عدم التوكل، ولنسبة الأفعال إلى القضاء والقدر فقط.
أما إذا استعملت "لو" في معنى تمني القربات؛ كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمرِي" في هذا الحديث، فلا كراهة فيه، ولا منع، ويلزم من ذلك أن يكون ما تمناه - صلى الله عليه وسلم - أفضل، وهو التمتع لو وقع، الجواب: أن الشيء قد يكون أفضل لذاته، وقد يكون أفضل لما يقترن به من مصلحة لا لذاته، فالتمتع مقصود للترفه ولجبره بالدم، لكنه لما اقترن به قصد موافقة الصحابة -رضي الله عنهم- في فسخ الحج إلى العمرة لما شق ذلك عليهم، وهو أمر زائد على مجرد التمتع، اقتضى ذلك أفضليته من هذا الوجه خاصة، لا من حيث هو هو، ولا يلزم من ذلك أن يكون التمتع بمجرده أفضل، فاقتضى ترجيحه لذلك، لا لذاته.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلَا أَن مَعِي الهَدْيَ لأَحْلَلْتُ" هذا معلل بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة: ١٩٦]؛ فإن فسخ الحج إلى العمرة يقتضي التحلل بالحلق عند الفراغ من العمرة، ولو تحلل بالحلق عند فراغه منها، لحصل الحلق قبل بلوغ الهدي محله. وفي معنى الحلق التقصيرُ، فيمتنع كما يمتنع الحلق قبل بلوغ الهدي محله، وحينئذ يؤخذ من هذا: التمسكُ بالقياس، مع أن النص لم يرد إلا في الحلق، فلو وجب الاقتصار على النصِّ، لم يمتنع فسخ الحج إلى العمرة لأجل هذه العلة؛ فإنه حينئذ كان يمكن التحلل من العمرة بالتقصير، ويبقى النصُّ معمولًا به في منع الحلق حتى يبلغ الهدي محله، فحيث حكم بامتناع التحلل من العمرة، علل بهذه العلة، دل ذلك على أنه أجرى