التقصير مجرى الحلق في امتناعه قبل بلوغ الهدي محله، مع أن النصَّ لم يدل عليه بلفظه، وإنما ألحق به بالمعنى.
وقوله:"وَحَاضَتْ عَائشِةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فنسَكَتِ المَنَاسِكَ كُلَّهَا، غيْرَ أنهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ"؛ اعلم: أن ابتداء حيض عائشة - رضي الله عنها - هذا، كان يوم السبت لثلاث خلون من ذي الحجة سنة عشر، وطهرها كان يوم السبت في يوم النحر عام حجة الوداع، ذكره ابن حزم في كتابه "حجة الوداع"(١)، وإنما لم تطف الحائض بالبيت، إما لذات الحيض، أو لملازمته لدخول المسجد.
وثبت في رواية أخرى صحيحة أنها بعد أن طَهُرت طافت وسعت، وأُخذ من ذلك أن السعي لا يصح إلا بعد طواف صحيح، فإنه لو صح، لما لزم من تأخير الطواف بالبيت تأخير السعي؛ لأنها قد فعلت المناسك كلها غير الطواف بالبيت؛ فلولا اشتراط تقدم الطواف على السعي، لفعلت في السعي ما فعلت في غيره من المناسك.
وحينئذ يكون في رواية الكتاب:"فَلَما طَهُرَتْ طَافَتْ بِالبَيْتِ"، حَذْف تقديره: وَسَعت، تبينه هذه الرواية في طوافها وسعيها بعد طهارتها، وكون السعي لا يكون إلا بعد طواف صحيحٍ إما واجب وإما مندوب، هو مذهب مالك، والشافعي، واتفق عليه أصحابهما.
غير أن المالكية زادوا قولًا واحدًا آخر: أن السعي لا بد أن يكون بعد طواف واجب، وإنما صححوه بعد طواف القدوم؛ لأنه عند القائل بصحة السعي بعده واجب، لا مندوب، والله أعلم.
وقولُها:"تَنْطَلِقُونَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ"؛ تريد: العمرة التي فسخوا الحج إليها، والحج الذي أنشؤوه من مكة.
وقولُها:"وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ"؛ هذا مشعر بأن عائشة - رضي الله عنها - لم تحصل لها العمرة؛ إما لأنها لم تتحلل بفسخ حجها الأول إلى العمرة، وإما بأنها فسخته