ثم حاضت، فتعذر عليها إتمام العمرة والتحلل منها، وإدراك الحج، فأحرمت به، فصارت مدخلة للحج على العمرة،، وقارنة، فالأول ظاهر قولها:"وَأَنْطْلِقُ بِحَجَّة"، لكنه لما ثبت في روايات أخر صحيحة اقتضت أن عائشة اعتمرت، حيث أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بترك عمرتها ونقض رأسها وامتشاطها، وبالإهلال بالحج لما حاضت لامتناع التحلل من العمرة بوجوه: منها: الحيض، ومنها: مزاحمة وقت الحج، ومنها: امتناع إتمام أعمال العمرة وهو الطواف ودخول المسجد، ولم يمكن: رفض العمرة، فأهلت بالحج مع بقاء العمرة، فصارت قارنة، فأشكل قولها:"تنطلقون بحج وعمرة، وأنطلق بحج"، إذ هي على التقدير الثاني، قد حصل لها حج وعمرة، فهي قارنة، فاحتاج العلماء إلى تأويل ما أشكل على أن قولها:"تنطلقون بحج وعمرة وأنطلق بحجة"؛ أن المراد منه تنطلقون بحج مفرد عن عمرة، وعمرة مفردة عن حجة، وأنطلق بحجة غير مفردة عن عمرة، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة؛ ليحصل لها قصدها في عمرة مفردة عن حجة، وحجة مفردة عن عمرة.
وهذا حاصل ما قيل في هذا الإشكال وجوابه، مع أن الظاهر خلافه بالنسبة إلى هذا الحديث، لكن الجمع بين روايات الحديث ألجأ العلماء إلى ذلك، وفيه جميعه دلالة على الرد على من يقول: القِران أفضل، والله أعلم.
وقولُه:"فَأمرَ عَبدَ الرحمنِ بنَ أبي بكرٍ - رضي الله عنهما - أَن يَخرُجَ مَعَهَا إلَى التَّنْعِيمِ، فَاعتَمَرَتْ بَعْدَ الحج"؛ يعني: أخا عائشة لأبويها، وكان أكبر أولاد أبي بكر، كما تقدم.
والتنعيم: مكان عند طرف الحرم من جهة المدينة على ثلاثة أميال -وقيل: أربعة- من مكة، سُمي بذلك؛ لأن عن يمينه جبلًا يقال له: نعيم، وعن شماله جبل يقال له: ناعم، والوادي نعمان.
والعلة في الإحرام بالعمرة من الحل؛ لقصد الجمع بين الحل والحرم في العمرة، كما وقع في الحج من الجمع بينهما؛ فإن عرفة من الحل خارج الحرم،