أن يكون نقص الحلبة الثانية لاختلاف المرعى، أو لأمرٍ غير التصرية، فلا يتحقق إلا بعد الحلبة الثالثة، وإذا كانت لفظة "حلبها" مطلقة، فلا دلالة لها على الثانية والثالثة، وإنما يوجد ذلك من حديث آخر.
ولك أن تقول: ثبوت الخيار في ذلك ثلاثة أيام، يدل على إثبات الخيار بعد ثلاث حلبات؛ لأن الغالب أن الحيوان يُحلب في كل يوم مرة، فجعل أمد الخيار ثلاثة أيام لأجل تبين التصرية بالحلب ثلاثًا في ثلاثة أيام.
وقد تمسك العلماء بقوله:"وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا" على ثبوت الخيار بعيب التصرية، لكن اختلف أصحاب الشافعي، هل هو على الفور؛ قياسًا على خيار الرد بالعيب، ويتأول الحديث على تبين الحلبات في الأيام الثلاثة، أم تمتد إلى ثلاثة أيام؛ لظاهر الحديث، أو نصه في ثبوت الخيار ثلاثة أيام في التصرية؟ ولا شك أن الظاهر أو النص مقدم على القياس، خصوصًا إذا خولف القياس في أصل الحكم لأجل النص، فليتبع ذلك في جميع موارده.
فإن قيل: الخيار ثابت بعد الحلب؛ للحديث في قوله:"بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا"، والخيار ثابت قبله بوجود التصرية قبل الحلب إذا علمت.
والجواب: ثبوت الخيار والرد بالتصرية، أو الإمساك باختيار المشتري عدم الرد، وبعدمها لا يتحقق ثبوتُ ذلك إلا بعد الحلب؛ لتوقف الرد والإمساك عليه، والصاع عوض اللبن الذي من ضرورة، العوض عنه الحلب.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ"؛ صريح في جواز الرد، ورد صاعًا من تمر معها، ومنع بعض المالكية ذلك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الخراجُ بالضمان"(١)؛ لأن الغلة لمن استوفاها بعقد أو شبهة يكون له بضمانه، فاللبن المحلوب إذا فات
(١) رواه أبو داود (٣٥٠٨)، كتاب: فيمن اشترى عبدًا فاستعمله ثم وجد به عيبًا، والنسائي (٤٩٩٠)، كتاب: البيوع، باب: الخراج بالضمان، والترمذي (١٢٨٥)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله، ثم يجد به عيبًا، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (٢٢٤٣)، كتاب: التجارات، باب: الخراج بالضمان، والإمام الشافعي في "مسنده" (ص: ١٨٩)، والإمام أحمد في "المسند" (٦/ ٤٩)، عن عائشة - رضي الله عنها -.