والثاني: بتعذر تقدر اللبن؛ اتباعًا لقياس الغرامات، وهو ضعيف.
واعلم أن السنة إذا ثبتت، لم يعترض عليها بالمعقول، والفرق بين أهل السنة والبدعة: أن أهل السنة إذا سمعوها، علموا أنها حق، وإن قصرت عقولهم عن فهمها، ينسبون القصور عن فهمها إلى عقولهم، ويسعون في الوصول إلى فهمها بكل طريق إلى أن يصلوا إليه، بخلاف أهل البدعة؛ فإنهم: إذا سمعوا سنَّة تخالف عقولهم، بادروا إلى ردِّها، والطعن فيها من غير تدبر ولا سعي في فهم شيء مما يخالف عقولهم، والإجماع منعقد على أنه متى وجد نص في حكم من كتاب أو سنَّة، وجب المصير إليه، ولا تحل معارضته بالقياس، ولا الرجوع إليه إلا عند عدم النص، والله أعلم.
إذا علمت هذا، فاعلم أن الحكمة فيما يقدره الشارع على خلاف ما يظهر لك مخالفته للأصول العقلية رفعُ النزاع والخصام بين الناس، والمنعُ من كل ما سبيله ذلك، فلما كانت المصراة يقع بيعها في المواضع التي لا يوجد فيها من يعرف القيمة، ولا من يعتمد قوله فيها، واللبن قد يتلف، وقد يتنازع في قلته وكثرته وفي عينه، فجعل الشارع لهم ضابطًا لا نزاع معه، وهو صاع التمر، ونظير ذلك الدية؛ فإنها مئة بعير، ولا تختلف باختلاف حال القتيل في شرفه وعدمه في الدين والدنيا، ومثله الغُرة في الجناية على الجنين، سواء كان ذكرًا أو أنثى، تام الخلق أو ناقصه، جميلًا أو قبيحًا، ومنه مسألة الجبران في الزكاة بين السنين، جعله الشارع بشاتين، أو عشرين درهمًا؛ قطعًا للنزاع، سواء كان التفاوت بينهما قليلًا أو كثيرًا، والله أعلم.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: تحريم تلقي الركبان بشرطين قالهما الفقهاء:
أحدهما: أن يكون المتلقي قاصدًا له.
والثاني: أن يكون عالمًا بالتحريم، فلو خرج لشغل، فوجد الركبان مقبلين، فاشترى، ففي تأثيمه للشافعية وجهان: أظهرهما عندهم: التأثيم؛ لعموم النهي،