ولو لم يعلم التحريم، لا يكون آثمًا، لكن ينبغي أن يكون في ذلك تفصيل: فإن كان يمكنه تعلم ذلك؛ بأن كان في بلدٍ فيه العلماء، ولم يتعلم حكم ذلك، كان آثمًا، وإلا فلا، ثم لو تلقى وباع، هل يكون البيع صحيحًا، والفعل حرامًا، أم يكون البيع فاسدًا من أصله؟
ينبني ذلك على أن النهي يدل على الفساد أم لا.
فمذهب الشافعي في بيع الركبان أنه صحيح، وإن كان الإثم فيه، وعند غيره من العلماء أن النهي للفساد، ومستند الشافعي أن النهي لا يرجع إلى نفس العقد، ولا يخل هذا الفعل بشيء من أركانه وشرائطه، وإنما النهي لأجل الإضرار بالركبان، وذلك لا يقدح في نفس البيع.
واعلم أن النهي الذي يقتضي التحريم في الشرع على ثلاثة أضرب:
أحدها: يقتضي تحريمَ عين المنهي عنه بنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الميتة، فذلك يقتضي: تحريم العين، وفساد العقد عليها.
الثاني: يقتضي تحريم وصف في المنهي داخل في ذات المنهي عنه؛ كنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الزنا، فذلك يقتضي: تحريم العقد، وفساده، ولا يقتضي تحريم المعقود عليه، بل يرجع كل واحد من المتعاقدين إلى أصل ماله.
الثالث: يقتضي تحريم وصف في المنهي عنه خارج عن ذات المنهي عنه، إما لأجل البائع، أو المشتري، ونحوهما، وإما لأجل وصف في الآلة المستعملة؛ كالذهب والفضة إذا كانت آنية، والحرير إذا كان ملبوسًا لمن لا يجوز له لبسه، فتوضأ من الآنية، أو صلَّى في الحرير، وكبيع الركبان وما شاكله من العقود.
فهل يقتضي ذلك الصحة في الفعل والعقد، والتحريم بمعنى الإثم أو بمعنى فساد الفعل والعقد؟ اختلف العلماء في ذلك: