للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يعبر عن التخلية والترك بصيغة تدل على الفعل، ألا ترى أنه أطلق لفظ الإذن من الله تعالى على التمكن من الفعل، والتخلية بين العبد وبينه -سبحانه وتعالى-، وإن كان ظاهر اللفظ يقتضي الإباحة والتجويز؟ وذلك موجود في كلام الله -سبحانه وتعالى- على ما قاله المفسرون في قوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ١٠٢]، وليس المراد بالإذن إباحة الله تعالى للإضرار بالسحر، ولكنه لما خلى بينهم وبين ذلك الإضرار، أطلق عليه لفظ الإذن مجازًا، وهذا -وإن كان محتملًا- إلا أنه خارج عن الحقيقة من غير دلالة ظاهرة على المجاز من حيث اللفظ.

الثالث: أن لفظة الاشتراط والشرط وما تصرف منها، يدل على الإعلام والإظهار، ومنه أشراط الساعة، والشرط اللغوي والشرعي، ومنه قول أوس بن حَجَر -بفتح الحاء والجيم-: فاشترط فيها نفسه؛ أي: أعلمها وأظهرها، وإذا كان كما ذكرنا: حمل "اشترطي" على معنى: أظهري حكم الولاء، وبينيه، واعلمي أنه لمن أعتق، على عكس ما أورده السائل وفهمه من الحديث.

الرابع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد أخبرهم بأن الولاء لمن أعتق، ثم أقدموا على اشتراط ما يخالف هذا الحكم الذي علموه، فورد هذا اللفظ على سبيل الزجر والتوبيخ والتنكيل لمخالفتهم الحكم الشرعي الذي علموه، وغاية ما في هذا: أنه أخرج لفظة الأمر عن ظاهرها.

وفي القرآن العزيز خروجها عن ظاهرها في غير موضع، وامتناعُ إجرائها عليه كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: ٤٠]، و {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩]، ومعلوم أنه ليس المراد إطلاق المشيئة منهم في عملهم وكفرهم، وعلى هذا لا يبقى في أمره - صلى الله عليه وسلم - غرر.

الخامس: أن يكون إبطال الشرط عقوبة؛ لمخالفتهم حكم الشرع؛ فإن إبطال الشرط يقتضي تغريم ما قوبل به الشرط من المالية المسامح بها لأجل الشرط، ويكون هذا من باب العقوبة بالمال؛ كحرمان القاتل الميراث.

<<  <  ج: ص:  >  >>