للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السادس: أن ذلك خاص بهذه القضية، لا عامٌّ في سائر الصور، وسبب التخصيص إبطال هذا الشرط مبالغة في الزجر عن اشتراطه؛ لمخالفته الشرع، كما أن فسخ الحج إلى العمرة كان خاصًّا بتلك الواقعة مبالغة في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحج، صحح هذا ورجحه شيخنا أبو زكريا النواوي -رحمه الله- في تأويل الحديث، قال: وقد تُحتمل المفسدة اليسيرة لتحصيل مصلحة أرجح منها عظيمة، والله أعلم (١).

الثاني من مواضع الإشكالات:

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، وهو يدل على أن كلمة "إنما" تقتضي الحصر؛ لأنها لو لم تكن له، لما لزم من إثبات الولاء لمن أعتق نفيه عمن لم يعتق، وذكرت في الحديث لبيان نفيه عمن لم يعتق، فدل على أن مقتضاه الحصر.

وقد أثبت العلماء الولاء في صور بغير العتق، لكنها في معناه؛ وهي: أنه لو باعه نفسه، أو أعتقه على مال، ثبت له عليه الولاء، وكذا لو كاتبه، أو استولدها وعتقت بموته، ثبت الولاء، لا نعلم في ذلك جميعه خلافًا، ويثبت الولاء للمسلم على الكافر وعكسه، وإن كانا لا يتوارثان في الحال؛ لعموم الحديث.

وقد ذكروا صورًا مختلفة في إثبات الولاء بها، واستدلوا على إبطاله بالحصر في الحديث، مع اتفاقهم على إثباته للمعتق، حتى اختلفوا فيمن أعتق، وشرط أن لا ولاء له، وهو المسمى بالسائبة، ومذهب الشافعي وموافقيه: ثبوت الولاء، وأن الشرط لاغ؛ لثبوت الولاء بالشرع، فإذا شرطه، لغا؛ كالميراث، ولا شك في حصر الولاء للمعتق في الحديث، ويستلزم ذلك الحصر في السبيية، فيقتضي ذلك أن لا ولاء بالحلف والموالاة، ولا بالإسلام؛ وهو بأن يسلم الرجل على يدي الرجل، ولا بالتقاطه للقيط، وكل هذه الصور فيها خلاف بين العلماء، وسيأتي في الأحكام.


(١) انظر: "شرح مسلم" للنووي (١٠/ ١٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>