قوله - صلى الله عليه وسلم - في خطبته:"مَا بَالُ أَقوَامٍ يشتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيسَت في كِتَاب اللهِ؟ مَا كَانَ مِن شَرطٍ ليسَ في كِتَابِ اللهِ، فهُوَ بَاطِلٌ، وإنْ كَانَ مِئه شَرطٍ"؛ مقتضاه: أن كل شرط ليس في كتاب الله أنه باطل "ولو كان مائة شرط" مبالغة في إبطال جميع الشروط التي ليست في كتاب الله، ولا شك أن من الشروط ما هو صحيح، ومنها ما هو باطل، وكل شرط اقتضاه إطلاق العقد من غير شرط إذا شرطه، كان صحيحًا، وكذا ما كان للشارع طلب له وحث عليه وترغيب فيه إذا شرطه، وكذا ما كان فيه مصلحة تدعو إليه الحاجة؛ كاشتراط الرهن والضمين والخيار وتأجيل الثمن، وكل ذلك صحيح.
ومعلوم أن ذلك جميعه ليس في كتاب الله، وظاهر لفظ الحديث يقتضي بطلانه، فحينئذ يجب تعريف قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليست في كتابِ الله"، فذكر العلماء في ذلك احتمالين:
أحدهما: أن المراد بكتاب الله: حكم الله، وهو أعم من أن يكون في كتاب الله أو مستنبطًا منه.
والثاني: أن المراد به: ما بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سننه، أو استنبطه العلماء منها، فيكون المراد بالحديث: نفي كونها في كتاب الله بواسطة أو بغيرها؛ حيث إن الشريعة كلها في كتاب الله، فالذي في كتاب الله تعالى هو المنصوص عليه فيه من الأحكام بغير واسطة، والذي هو بواسطة؛ كقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: ٧]، وقوله تعالى:{وأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}[التغابن:١٢] وقوله تعالي: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء: ٨٣]، والله أعلم.
أما ما كان من الشروط منافيًا لمقتضى العقد؛ كشرط استثناء منفعة المبيع أو بيعه، أو إجارته، أو أن يبيعه شيئًا آخر، ونحو ذلك، فكل ذلك باطل مبطل