وقولُ أبي أيُّوبَ: فقدمنا الشَّامَ ... إلى آخره، يدلُّ على أن للعموم صيغةً عندَ العربِ وأهلِ الشَّرع، على خلاف ما ذهب إليه بعضُ الأصوليِّين في ذلك، والمعني به استعمالُ صيغة العموم في بعض أفراده كما فعله الجمهور في حديث أبي أيوب هذا.
قال شيخنا أبو الفتح الحافظُ - رحمه الله -: أولع بعضُ أهل العصر وما يقربُ منهم (١) بأَنْ قالوا: صيغةُ العموم إذا وردتْ على الذوات مثلًا، أو على الأفعال، كانت عامَّة في ذلك، مطلقةً في الزَّمان والمكان، والأحوال والتَّعلقات، ثمَّ يقال: المطلق يكفي في العمل به صورة واحدة، فلا يكون حجَّة فيما عداه، وأكثروا من هذا السؤال فيما لا يُحصَى من ألفاظِ الكتاب والسُنَّة، وصار ذلك دَيْدَنًا لهم في الجدال، وهذا باطل عندنا، بل الواجبُ أنَّ ما دل على العموم في الذوات مثلًا يكون دالًّا على ثُبوت الحكم في كلِّ ذات تناولها اللفظ، ولا يخرجُ عنها ذات إلَّا بدليل يخصُّه، فمن أخرج شيئًا من تلك الذَّوات، فقد خالف مقتضى العموم، نعم يكفي في العمل المطلق مرَّةٌ؛ كما قالوه، ونحن لا نقول به في هذه المواضع من حيث الإطلاق، وإنما قلنا به من حيثُ المحافظةُ على ما تقتضيه صيغةُ العموم في كل ذات، فإن كان المطلق لا يقتضي العمل به في مرَّة مخالفة لمقتضى صيغة العموم، اكتفينا في العمل به مرَّةً واحدةً، مما يخالف مقتضى صيغة العموم، قلنا بالعموم محافظة على مقتضى صيغة الأمر، لا من حيثُ إن المطلق يعمُّ، مثال ذلك إذا قال: مَنْ دَخَلَ داري فأعطِه درهمًا، فمقتضى الصِّيغة العمومُ في كلِّ ذاتٍ صدقَ عليها أنَّها الدَّاخلة، فإذا قال قائل: هو مطلقٌ في الأزمان، فأَعملُ به في الذَّواتِ الدَّاخلة في أول النَّهار مثلًا، ولا أعملُ به في غير ذلك الوقت، لأنه مطلق في الزَّمان، وقد عملت به مرَّةً، فلا يلزمُ أَنْ أعملَ به أخرى؛ لعدمِ عمومِ المطلقِ.
قلنا له: لمَّا دلَّت الصيغةُ على العموم في كلِّ ذاتٍ دخلت الدَّار، ومن جملتها