وقد نقل أبو عمر بن عبد البر قولًا، وغلطه، وبين الغلط فيه؛ وهو أن سعد بن خولة مات قبل أن يهاجر، وقال: لأنَّ ابنَ خولة لم يشهد بدرًا إلَّا بعد هجرته، وهذا ما لا يشك ذو لبٍّ فيه، والله أعلم (١).
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: استحبابُ عيادة المريض، واستحبابُ عيادةِ الإمام أصحابه، وأنها مستحبة في السفر كالحضر، وأولى.
ومنها: جواز ذكر المريض ما يجده من شدّة المرض، لا في معرض التسخط والشكوى، فإن ذكره رجاء دعاء العابد، أو ليصف له ما يتداوى به، كان مستحبًا، ولم يكن ذلك قادحًا في صبره، وأجر مرضه.
ومنها: إباحة جمع المال؛ لقوله:"وأنا ذو مال"؛ لأنَّ هذه الصيغة لا تستعمل في العرف إلَّا لمال كثير.
ومنها: استحباب الصدقة لذوي الأموال.
ومنها: العدل بين الورثة، ومراعاتهم في الوصيَّة.
ومنها: تخصيص جواز الوصيَّة بالثلث، لكن قال العلماء: إن كان الورثة أغنياء، استُحبَّ أن يوصي بالثلث تبرعًا، وإن كانوا فقراء، استحب أن ينقص من الثلث.
ومنها: أن الثلث في باب الوصيَّة في حدِّ الكثرة، وقد اختلف المالكية فيه في مسائل، ففي بعضها جعلوه داخلًا في حدِّ الكثرة بالوصيَّة؛ لقوله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "والثُّلُثُ كَثير"، وهذا يحتاج إلى عدم اعتبار دلالة السياق الذي يقتضي تخصيص كثرة الثلث بالوصيَّة، بل يوجد لفظًا عامًّا، وإلى دلالة دليل على اعتبار ممر الكثرة في الحكم، والثلث المذكور، فيحصل المقصود.
ويقال: الكثرة معتبرة في هذا الحكم، والثلث كثير، فهو معتبر، ومتى لم
(١) انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (٢/ ٥٨٧ - ٥٨٨).