يلمح كل واحد من هاتين المقدمتين، لم يحصل المقصود، وقد مثلوا ذلك بما ذهب إليه بعض المالكية أنه إذا مسح ثلث رأسه في الوضوء، أجزأه؛ لأنَّه كثير؛ للحديث، فيقال له: لِمَ قلت: إنَّ مسمَّى الكثرة معتبر في المسح؟ فإذا أثبته، لم قلت: إن مطلق الثلث كثير، وكل ثلث فهو كثير بالنسبة إلى كل حكم، وعلي هذا فقِسْ سائر المسائل، فيطلب منها تصحيح كل واحدة من المقدمتين.
وقد أجمع العلماء في الأعصار المتأخرة: على أن من له وارث، لا ينفذ وصيته بزيادة على الثلث إلَّا بإجازته، وأجمعوا على نفوذ الزيادة في باقي المال بإجازته، وأمَّا من لا وارث له، فمذهبنا ومذهب الجمهور: لا تصحُّ وصيته فيما زاد على الثلث، وجوزه أبو حنيفة، وأحمد وأصحابه، وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وإسحاق، وروي عن عليّ، وابن مسعود - رضي الله عنهما -.
ومنها: أن طلب الغني للورثة الذين يكفهم عن السؤال والتطلع إلى ما في أيدي النَّاس، راجح على تركهم فقراء عبادة يتكفَّفُون النَّاس، ومن هذا أخذ بعضهم ترجح الغني عن الفقير، واستحباب الغض من الثلث، وقيل: ينظر إلى قدر المال في الكثرة والقلة، فتكون الوصيَّة بذلك اتباعًا للمعنى المذكور في الحديث من ترك الورثة أغنياء.
ومنها: الحث على صلة الأرحام، والإحسان إلى الأقارب، والشفقة على الورثة.
ومنها: أن صلة القريب الأقرب والإحسان إليه أفضل من الأبعد.
ومنها: أن الثواب في الإنفاق مشروط بصحَّة النيَّةِ في ابتغاء وجه الله - عزَّ وجلَّ -، وهذا عسر دقيق إذا عارضه مقتضى الطبع والشهوة؛ فإن ذلك لا يحصل الغرض من الثواب، حتَّى يبتغي به وجه الله، وشق تخليص هذا المقصود ممَّا يشوبه من مقتضى الطبع والشهوة.
ومنها: استحباب الإنفاق في وجوه الخير.
ومنها: أن الأعمال الواجبة، أو المندوبة، أو المباحة، يزداد الأجر في فعلها