للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقصد الطاعة، وأن المباح بالنية يصير طاعة يثاب عليه؛ فإنَّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حتَّى ما تَجْعَلُ فِي فِي امرَأَتِكَ"؛ يقتضي المبالغة في تحصيل الأجر، لا تخصيص الثواب بالواجب والمندوب، كما يقال: جاء الحاجُّ حتَّى المشاةُ، ومات النَّاس حتَّى الأنبياءُ.

ولا شكَّ أن الكلام في ذلك راجع إلى قاعدة كلية، وهي: أنَّ النيَّة هل تحتاج إليها في الجزئيات بالنسبة إلى كل جزء، أم يكتفى بنيَّة عامة؟

وقد ذكر الحارث بن أسد المحاسبي - رحمه الله - في ذلك مذهبين للسلف، وقال: الراجح عند أكثرهم الاكتفاء بنيَّة عامة؛ لما في الإتيان بها في كل جزء من الحرج والمشقة، مع أن الشرع حثَّ على الاكتفاء بأصلِ النيَّة، وعمومها في باب الجهاد والحج؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنه لو من أحدُكم بنهر جارٍ، وهو لا يريد أن يسقي دوابه، فشربتْ، كان له أجر".

فيمكن أن يعدى هذا إلى سائر الأشياء، ويكتفى بنيَّة مجملة أو عامة، ولا يحتاج إلى الجزئيات في ذلك؛ حيث إن قصد طاعة الله تعالى تشمل جميع ذلك، وقد توهمت زينب الثقفية الاحتياج إلى ذلك في الجزئيات لما أرادت الإنفاق على من عندها، وقالت: لست بتاركتهم، فتوهمت أن ترك النيَّة وحث الطبع ممَّا يمنع الصدقة عليهم، فأزيل ذلك عنها برفع الوهم فيه، وأمرت بالإنفاق من غير نية وتقدير الأجر.

ومنها: تسلية من كره حالةً يخالف ظاهرُها الشرع، ولا سببَ له فيها؛ فإن سعدًا - رضي الله عنه - خاف فوتَ مقام الهجرة، وموتَه بالأرض التي هاجر منها بسبب المرض الذي وقع فيه.

ومنها: أن الإنسان قد يكون له مقاصد دينية حثَّ الشرع عليها، فيقع في مكاره تمنعه عن مقاصده، فينبغي له -في هذه الحالة- رجاءُ المصلحة من الله تعالى فيما يفعله.

ومنها: سؤال الله تعالى في إتمام العمل الذي قصده الإنسان على وجه

<<  <  ج: ص:  >  >>