فالأمر لعبد الله كان من عمر بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلى كل حال، فلا ينبغي أن ينظر في الأحكام المتعلقة بالأمر أنها أمر أم لا.
وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: "قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا"؛ معناه: قبل أن يطأها.
وإنما كان الطلاق في الطهر الذي جامعها فيه بدعيًّا حرامًا؛ لخوف الندم، حيث إن المسيس سبب الحمل، وحدوث الولد، وذلك سبب للندامة على الطلاق، بخلاف ما إذا تبين الحمل، وطلقها بعد ذلك؛ فإنه يكون من أمره على تصبره، فلا يندم؛ فلا يحرم.
وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: "فَتِلْكَ العِدَّةُ كَمَا أَمَرَ اللهُ"؛ بعدَ قوله:"ثم لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضُ فَتَطْهُرَ، فَإنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَلْيُطَلِّقْهَا" تصريح بأن الأقراء المذكورة في القرآن هي الأطهار؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "فإن بدا له أن يطلقها، فليطلقها" بعد قوله: "ثُمَّ تَحِيضُ فتَطْهُرُ" مع أن الله تعالى لم يأمر بطلاقهن في الحيض بل حرمه، فدل ذلك جميعه على أن الأقراء: الأطهار، وأن الإشارة بقوله به - صلى الله عليه وسلم -: "فتلك العدةُ" إليها، فإن قيل: الضمير في قوله: "فتلك" يعود إلى الحيضة، قلنا: هذا فاسد؛ حيث إن الطلاق في الحيض غير مأمور به، بل محرم، وإنما الإشارة بها عائد إلى الحالة المذكورة، وهي في حالة الطهر، أو إلى العدة.
وأجمع العلماء من أهل الفقه والأصول واللغة، على أن: القُرْءَ في اللغة يطلق على الحيض وعلى الطهر.
واختلفوا في الأَقراء المذكورة في القرآن في قوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة: ٢٢٨]، وفيما تنقضي به العدَّة، فقال مالك، والشافعي، وآخرون: هي الأطهار، وقال أبو حنيفة، والأوزاعي، وآخرون: هي الحيض، وهو مروي عن عمر، وعلي، وابن مسعود -رضي الله عنهم-، وبه قال الثَّوريُّ، وزفر، وإسحاق، وآخرون من السلف، وهو أصحُّ الروايتين عن أحمد؛ قالوا: لأن من قال بالأطهار، يجعلها قرأين وبعض الثالث، وظاهر القرآن: أنها ثلاثة.