فيه من تلويث الفراش، والتعرض لإلحاق نسب بالزوج لم يكن، وهو أمر عظيم، يترتب عليه مفاسد كثيرة؛ كانتشار المحرمية وثبوت الولاية على الإناث، واستحقاق الأموال بالتوارث، فاختصت به؛ لأنه أشد من اللعنة، وكذلك لو بدلت لفظه باللعنة، لم يكتف به.
وأما عرضُه - صلى الله عليه وسلم - التوبةَ عليهما بقوله:"فهلْ منكُما تائبٌ"؟ يحتمل أنه إرشاد إلى التوبة بينهما وبين الله تعالى؛ حيث لم يحصل اعتراف منهما أو من أحدهما.
ويحتمل أنه إرشاد للزوج؛ حيث إنه لو رجع، وكذب نفسه، كان توبة.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا سبيلَ لكَ عليها" يحتمل أن يكون راجعًا إلى التفرق بعد اللعان؛ لعموم دخوله في عدم السبيل.
ويحتمل أن يكون راجعًا إلى المال.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: كراهة السؤال عما لم يقع، وقد وقع في "صحيح مسلم" في هذا الحديث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كره المسائل وعابها، وعدمُ جوابه السائلَ في هذا الحديث على الفور يحتمل ذلك؛ من حيث إن القضية لم تقع، ولم يحتج إليها، ولو وقعت، لكان فيها هتك ستر مسلم أو مسلمة، أو إشاعة فاحشة، أو شناعة على أمر الشرع يستره، مع ما فيه في ذلك الوقت من الشناعة على المسلمين والمسلمات، وتسليط اليهود والمنافقين، ونحوهم على الكلام في أعراض الْمُسْلِمِينَ وفي الإسلام؛ ولأن من المسائل ما يقتضي جوابه تضييقًا.
وفي الحديث "أعظمُ الناسِ جُرْمًا مَنْ سألَ عَمَّا لم يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ من أجلِ مَسْأَلتِهِ"(١)؛ ولهذا كان من السلف من يكره الحديث في الشيء قبل أن يقع، ويراه من ناحية التكلف.
(١) رواه البخاري (٦٨٥٩)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: ما يكره من كثرة السؤال، وتكلف ما لا يعنيه، ومسلم (٢٣٥٨)، كتاب: الفضائل، باب: توقيره - صلى الله عليه وسلم -، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -.