للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسواط، وأن الزيادة مختصة به؛ إذ لم يبق لنا شيء غيره مما تجوز فيه الزيادة، وأصل التعزير ممنوع فيه، ولا تبقى لخصوصية منع الزيادة معنى، والذي تقتضيه الأدلة: أن المراد به فعل الماضي الذي لا حد فيها ولا كفارة.

وقد قال بظاهر هذا الحديث في عدد الزيادة على العشرة الأسواط: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وإليه ذهب من الشافعية صاحب "التقريب"، وأشهب من المالكية؛ فإن الحديث متعرض للمنع من الزيادة عليها، وما دونها لا تعارض للمنع فيه.

وفي هذا الحديث دليل: على إثبات التعزير، ومعناه في اللغة: التأديب، وأما في الشرع، فقال الماوردي: هو تأديب على ذنب ليس فيه حد (١)، فتوافق الحد في أنه زجر وتأديب للصلاح، يختلف بحسب الذنب، ويخالفه من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن تعزير أهل الهيبات أخف من تعزير غيرهم، ويستوون في الحد.

والثاني: تجوز الشفاعة في التعزير والعفو عنه، دون الحد.

والثالث: لو تلف من التعزير، ضُمن، ولو تلف من الحد، فهدر.

وفيه: تقدير الضرب فيه بعدم الزيادة على العشرة، وأما بالنقص عنها، فلا. وقد ذكرنا من قال به قريبًا.

وقد اختلف العلماء فيه، فالمنقول عن مالك -رحمه الله-: أنه لا يتقدر بعشرة ولا غيرها، ويُجيز العقوبات فوق العشرة وفوق الحدود على قدر الجريمة وصاحبها، ويجعل ذلك موكولًا إلى رأي الإمام واجتهاده، فحينئذ يحتاج من قال بجواز الزيادة على العشرة، وإن لم تبلغ أدنى الحدود، إلى العذر عن الحديث، فبعضهم طعن فيه بما ذكرنا، وقد بينا بطلانه، وبعضهم ادعى نسخه بعمل الصحابة -رضي الله عنهم- على خلافه، وأن عمر - رضي الله عنه - ضرب


(١) انظر: "الأحكام السلطانية" للماوردي (ص: ٣٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>