تبوك وتوبة الله عليه، وأنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وهذا القول من كعب إخبار عن نية قصد سيفعله ولم يقع بعد، فمنعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك قبل إيقاع ما عزم عليه بإمساك بعض ماله مبهمًا، على ما ثبت في "الصحيحين" في الكتاب وغيره، وروى أبو داود في "سننه" تعيين ذلك البعض بالثلث (١)، لكن في إسناده محمَّد بن إسحاق، وهو متكلم فيه، والأكثرون على ضعفه.
ولا شك أن الصدقة برهان لصاحبها في الوثوق بالله -عَزَّ وَجَلَّ-، والتقرب إليه، والتعين بالحلف، ويترتب عليها هو الذنوب، ولهذا شرعت الكفارات المالية؛ لما فيها من صلاحية هو الذنوب، ويترتب عليها الثواب الحاصل بسببها، وقد تحصل الموازنة بامتحاء أثر الذنب، ودعاء من يتصدق عليه؛ فقد يكون دعاؤه سببًا لمحو الذنب.
ثم اعلم أن المأثور في الصدقات بالأموال على أنحاء: أقر كل واحد من الصَّحَابَة -رضي الله عنهم- على نحو قدر صبره ووثوقه بما يطلبه ويتعلق به، فكان الصديق -رَضِيَ الله عَنْهُ- يأتي بجميع ماله، فيقبل منه، ولا يمنع من ذلك، وكان الفاروق -رَضِيَ الله عَنْهُ- يؤمر بإمساك بعض ماله وإخراج بعضه، وكذلك كعب بن مالك فيما عزم عليه وقصده، وكذلك صاحب الحديقة والسحابة، اسقِ حديقة فلان، وأنه كان يتصدق بثلث ما يخرج منها، وينفق ثلثًا على نفسه وعياله، ويرد ثلثًا في أرضه، وقد فعل سعيد بن المسيّب ذلك فيما كان يأخذه من عطائه، لكنه قال في الثلث الثالث: وهذا أحفظ به مروءتي، أقامه مقام الثلث الذي رده صاحب الحديقة في أرضه، وكان رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يدخر لغد شيئًا، فلما كثر العيال، ادخر لهم قوت سنة طمأنينة لهم وسكونًا لقلوبهم، وما ذاك جميعه إلَّا لاختلاف الأحوال والمقاصد في الإنفاق والإمساك، والله أعلم.
(١) رواه أبو داود (٣٣١٩)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: فيمن نذر أن يتصدق بماله، والإمام أَحْمد في "المسند" (٣/ ٤٥٢)، والحاكم في "المستدرك" (٦٦٥٨)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ١٨١).