وقد تقدم الكلام بالنسبة إلى اللفظ قبله، وأنه خاص بالمغرب، لا بالنسبة إلى المعنى؛ فإن هذا دال على: المعنى والتعميم، وفيهما دليل على: تقديم حضور القلب، وفضيلته في الصلاة على فضيلة أول الوقت؛ فإنهما لمَّا تَزَاحَمَا قَدمَ صاحبُ الشرع الوسيلةَ إلى حضورِ القلب على أداء الصلاةِ في أولِ الوقت.
وقد يمنع أصحابُ المعاني في هذا الحديث: الحكمَ بتأخير الصلاة بمجرد حضور الطعام، بل يقولون: لا يدفع حضوره التشوف إليه.
قال شيخنا أبو الفتح القاضي - رحمه الله -: والتحقيق في هذا: أن الطعام إذا لم يحضر؛ فإما أن يكون متيسرَ الحضور عن قرب حتى يكون كالحاضر، أو لا.
فإن كان الأول: فلا يبعد أن يكون كالحاضر، وان كان الثاني: وهو ما يتراخى حضوره، فلا ينبغي أن يلحق بالحاضر؛ فإن حضور الطعام يُوجب زيادةَ تشوُّفٍ، وتطلُّعٍ إليه.
وهذه الزيادة يمكن أن تكون اعتبرها الشارع في تقديم الطعام على الصلاة، فلا ينبغي أن يُلحقَ بها ما لا يساويها؛ للقاعدة الأصولية: إن محل النص إذا اشتمل على وصفٍ يمكن أن يكون معتبرًا، لم يُلْغَ، هذا آخر كلامه، وهو نفيس، والله أعلم (١).
ثم اعلم أن مدافعة الأخبثين لا تخلو من أحوال:
أحدها: أن يكون بحيث لا يعقل بسببه الصلاة، وضبط حدودها، فهذا لا تحل له الصلاة، ولا الدخول فيها إجماعًا.
الثاني: أن يكون بحيث يعقلها مع ذهاب خشوعه بالكلية، ومذهب جمهور الأمة: أَنه لا تبطلُ صلاتُه.
ونقل عبد الله بن خفيف - رحمه الله - عن الشَّافعيِّ - رحمه الله - قولًا: أَنَّ ذهابَ الخشوعِ يُبطِلُ الصلاَة، وهو غريب جدًّا.