واستدل لأبي حنيفة، ومن قال بقوله: في الاكتفاء بالسجود على الأنف، وأنه أيهما سجد عليه؛ من الجبهة، والأنف، أجزأه: برواية في بعض طرق حديث ابن عباس هذا: "الجبهة والأنف"(١)، وفي الرواية التي ذكرها المصنف في الكتاب:"وأشارَ بيدِه إلى أنفِه"؛ فيحتمل أن معناه: أنهما جعلا كالعضو، ويكون الأنف كالتبع للجبهة، وقوي هذا الاحتمال بوجهين:
أحدهما: لو كان الأنف كعضو منفرد عن الجبهة حكمًا، لكانت الأعضاء المأمور بالسجود عليها، ثمانية لا سبعة؛ فيخرج الحديث عن مطابقة العدد المذكور فيه.
الثاني: اختلاف عبارة الحديث؛ في ذكره لفظًا، أو إشارةً؛ فإذا جعلا كعضو واحد، أمكن أن تكون الإشارة إلى أحدهما، إشارةً إلى الآخر؛ فتتطابق الإشارة والعبارة، وحينئذ ربما يستبيح منه إجزاء السجود على الأنف وحده؛ لأنهما كعضو واحد، فإذا سجد على بعضه، أجزأه.
لكن الحق أن هذا لا يعارض رواية التصريح بذكرهما، ودخولهما تحت الأمر، وإن اعتقد أنهما كعضو من حيث العدد؛ فهو في التسمية لفظًا، لا في الحكم الدال عليه الأمر، مع أن الإشارة لا تعين المشار إليه، بل قد تتعلق بالجبهة؛ فتكون الإشارة إلى ما قاربه، لا إليه يقينًا، بخلاف اللفظ؛ فإنه يتعين لما وضع له.
ثمَّ المراد باليدين المأمور بالسجود عليهما: الكفان، واعتقد قوم: أن مطلق اليدين، يحمل عليهما؛ كما في قوله تعالى:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: ٣٨]، واستنتجوا من ذلك: أن التيمم إلى الكوعين؛ كما تقدم، وبالجملة إن اتضح هذا، أم لم يتضح؛ فالمراد هنا: الكفان؛ لأنا لو حملنا الحديث على الكفين، والذراع، لكان أمرًا بالمنهي عنه؛ من افتراش الكلب، أو السبع؛ وهو مستحيل أن يكون الشيء الواحد مأمورًا به، منهيًا عنه.