للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علينا حاملًا أُمامةَ، فصلَّى وهي على عاتِقِه (١)، وكل هذا يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - تعمَّدَ حملَها بيانًا لجواز مثل هذا.

وأما الخميصة: فإنها تشغل القلبَ بلا فائدة، بل هي مجرد زينة مُلهية، بخلاف حمل الصبية، فإنه لا يلزم من حملها في الصلاة شغلُ القلب، وإن شغل، فإنه يترتب عليه فوائد، وبيان قواعد أكثر من شغل القلب بالصبية، بخلاف الخميصة.

الثاني: لم يقل أحد بتخصيص جواز حمل الصبية دون غيرها من الصبيان والرجال وسائر الحيوان في الصلاة إذا حكمنا بطهارة ذلك كله.

واستدل الشافعي، ومن قال بقوله بهذا الحديث على جوازه في الفريضة والنافلة؛ فإنه ثبت في بعض طرقه في "صحيح مسلم": أنه حملها في صلاة كان يؤم الناسَ فيها في المسجد (٢)، وهو ظاهر في الفريضة، وإذا جاز في الفريضة، كان في النافلة أولى؛ فإنه يحمل في النافلة ما لا يحمل في الفريضة، وحكم المأموم في ذلك والمنفرد حكمُ الإمام.

وحمل بعض المالكية الحديثَ في جواز الحمل على النافلة دون الفريضة، وادعى بعضهم أنه منسوخ في الفريضة، وبعضهم: أنه خاصٌّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعضهم أنه كان لضرورة، وكلها أقوال مروية عن مالك، غير القول بأنه خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكلها دعاوى لا دليل على صحتها، ولا ضرورة إليها، بل الحديث الصحيح الصريح يقتضي جوازه في الفريضة، وأنه كان ذلك في صلاة ظهر أو عصر، وأنه - صلى الله عليه وسلم - خرج عليهم حاملًا أُمامةَ، وأنهم كانوا ينتظرونه لها، والأصل عدم النسخ والتخصيص، والضرورة؛ إذ كل واحد منها لا يصار إليه إلا بدليل، ولا دليل، فإن أريد بالنسخ تحريم العمل في الصلاة، والكلام فيها، قلنا: ليس


(١) رواه البخاري (٥٦٥٠)، كتاب: الأدب، باب: رحمة الولد وتقبيله ومعانقته.
(٢) رواه مسلم (٥٤٣)، (١/ ٣٥٨)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز حمل الصبيان في الصلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>