للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا من ذاك، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الصلاةِ لَشُغْلًا" (١) كان قبل قدوم زينب وابنتها إلى المدينة، فإنه كان عند قدوم عبد الله بن مسعود من الحبشة قبل بدر، وقدومُ زينب وابنتِها إلى المدينة بعدَ ذلك، ولو ثبت أنه بعده، لكان فيه إثبات النسخ بالاحتمال، وهو لا يجوز، مع أن الأصل استواءُ الفريضة والنافلة في الشرائط والأركان، ولم يقل أحد بالفرق بينهما في ذلك، إلا في جواز النافلة جالسًا، أو على الدابة في السفر، وليس حملُ الصبية من ذلك، وإلا لبينوه كما بينوا غيره، ونقلوه، والقياسُ لا يصح في ذلك، وهو ممنوع هنا، وقد بينا عدمَ الضرورة.

وقد فرق بعض أتباع مالك بين أن تكون الحاجة إلى حمل الصبية شديدة؛ بحيث لا يجد من يكفيه ذلك، أو يخشى على الصبي، فيجوز حمله في الفريضة والنافلة، وبين أن يكون حمله على معنى الكفاية لأمه لشغلها بغير ذلك، فيجوز في النافلة دون الفريضة.

والجواب عن ذلك: أن الأصل استواءُ الفريضة والنافلة في الشرائط والأركان، إلا ما خصه الدليل.

الوجه الثاني: طهارةُ بدنها وثوبها، ولا شك أن الناس يعتادون تنظيف ثياب الصبيان وأبدانهم في مثل هذا الحال، خصوصًا صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان الأصل فيهم الطهارة، والغالب النجاسة، لكان الغالب في مثل هذا الحال العادة، وهي التنظيف، فيعادل الغالب بالعادة، ونفي الأصل، وهو الطهارة، فرجحت، مع أن قصة حمل أمامة وطهارة ثوبها وبدنها قضية حال، فلا تعم، فيكون الحال التي صلى بها محمولةً وقع فيها التنظيف؛ إما لتخصيصه - صلى الله عليه وسلم - لجواز علمه بعصمة الصبية من البول حال حملها، أو لتعمد تنظيفها في تلك الحال على العادة، وكلاهما يوجب صحة انصلاة مع حملها، وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع، فإن الآدمي طاهر، وطهارة ظاهره ممكن، وما في جوفه من النجاسة معفوٌّ عنه؛


(١) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>