للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جماعةٌ من التابعين وغيرهم، وقاله شيخنا أبو الفتح بنُ دقيق العيد عن الأكثرين عملًا بهذه الأحاديث، أو أن الحديث محمولٌ على من عجز عن الفاتحة، وعن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: اقرأ بها في نفسك: أن المراد: اقرأها سرًّا، بحيث تُسمع نفسك لا تدبر ذلك، وتكره كما حمله بعض المالكية؛ لأنَّ القراءة لا تطلق إلَّا على حركة اللسان بحيث تُسمع نفسه، ولهذا اتفق العلماء على أن الجنب لو تدبر القرآن بقلبه، من غير حركة لسانه، لا يكون قارئًا مرتكبًا لقراءة الجنب المحرمة، وكذلك لو أَمرَّهُ الجنب على قلبه من غير لفظ، جاز، مع أنه يقال: قرأت بقلبي، فدل على أن مراد أبي هريرة ما ذكرنا، يؤيده فعل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في قراءته وأصحابه، والله أعلم.

ثم مذهب الشافعي ومن وافقه أنها واجبة على الإمام والمأموم والمنفرد؛ عملًا بحديث أبي هريرة: "اقرأ بها في نَفْسِك" (١)، ثم إنه لا يصح أن يكون المراد بقوله: "اقرأ ما تيسر معك" الإجمال الذي يريده الأصوليون؛ فإن المجمل ما لم يتضح المراد منه، وهذا متضح المراد؛ إذ يتبع امتثاله بفعل كل ما تيسر، حتَّى لو لم ترد أحاديث تعيين الفاتحة، لاكتفينا في الامتثال بكل ما تيسر، وإن أريد بالمجمل الذي لا يتعين فرد من أفراده، فهذا لا يمنع الاكتفاء بكل فرد ينطلق عليه الاسم كما في سائر المطلقات، ثم المطلق يجوز تقييده، والعام يجوز تخصيصه، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاةَ إلَّا بفاتحةِ الكتاب" (٢) مطلَق، وهو مقيد بقيد المتيسر الذي يقتضي التخيير في قراءة كل فرد من أفراد المتيسرات، فليس المطلق مطلقًا هنا من كل وجه، والقيد المخصوص يقابل التعيين، ونظير المطلق الذي لا ينافي التعيين أن يقول: اقرأ قرآنًا، ثم يقول: اقرأ الفاتحة؛ فإنّه يحمل


= القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، والإمام أحمد في "المسند" (٣/ ٣)، وأبو يعلى في "مسنده" (١٢١٠).
(١) تقدم تخريجه، في حديث أبي هريرة "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب"؛ إذ هو جزء منه.
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>