للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما قوله: "ظلمًا كثيرًا"، فهو في معظم الروايات مضبوط بالثاء المثلثة، وفي بعض روايات مسلم: كبيرًا -بالباء الموحدة-، وكلاهما حسن، قال شيخنا العلامة أبو زكريا النووي - رحمه الله -: فينبغي أن يجمع بينهما -يعني للاحتياط على التعبد- بلفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمحافظة عليه خصوصًا في الدعاء، فيقال: ظلمًا كثيرًا كبيرًا" (١).

وقد احتج البخاري في "صحيحه" (٢)، والبيهقي في "سننه" (٣)، وغيرهما من الأئمة بهذا الحديث للدعاء آخر الصلاة، وهو استدلال حسن صحيح؛ فإن قوله: "في صلاتي" يعمُّ جميعَها، ومن مظانِّ الدعاء في الصلاة هذا الموطن، فتعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - تقريرٌ منه - صلى الله عليه وسلم - له لسؤاله وجواز العمل به، فمقتضى الحديث الأمرُ به من غير تعيين لمحل، ولو فعل فيها حيث لا يكره الدعاء فيه، جاز، لكنه يترجح فعله في موطنين: في السجود، وبعد التشهد قبل السلام؛ فإنه قد ثبت الأمر بالدعاء فيهما خصوصًا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "وليتخيرْ بعدَ ذلكَ من المسألةِ ما شاء".

قال شيخنا أبو الفتح ابن دقيق العيد الحافظ، المدقق، المحقق -رحمه الله تعالى-: ولعله يترجح كونه فيما بعد التشهد؛ لظهور العناية بتعليم دعاء مخصوص في هذا المحل (٤).


= عاصم (١/ ٦٨)، و"المعجم الكبير" للطبراني (١/ ٥١)، و"المستدرك" للحاكم (٣/ ٦٤)، و"الثقات" لابن حبان (١/ ١٨٤)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (١/ ٢٨)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (٣/ ٩٦٣)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (٣٠/ ٣)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (١/ ٢٣٥)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (٣/ ٣١٠)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (٢/ ٤٧٢)، و"تهذيب الكمال" للمزي (١٥/ ٢٨٢)، و"تذكرة الحفاظ" للذهبي (١/ ٢)، و"الوافي بالوفيات" للصفدي (١٧/ ١٦٣)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (٤/ ١٦٩)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (٥/ ٢٧٦).
(١) انظر: "رياض الصالحين" للنووي (ص: ٣٣١).
(٢) انظر: "صحيح البخاري" (١/ ٢٨٦)، باب: الدعاء قبل السلام.
(٣) انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (٢/ ١٥٤)، باب: ما يستحب له أن لا يقصر عنه من الدعاء قبل السلام.
(٤) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٢/ ٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>