للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا" دليلٌ على أن الإنسان لا يَعْرى من ذنب وتقصير؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "استقيموا ولن تحصوا" (١)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ ابنِ آدمَ خَطَّاء، وخيرُ الخطائين التوابون" (٢)، وأمرنا بالدعاء بذلك على الإطلاق من غير تقييد وتخصيص بحالة، فلو كان ثم حالة لا يكون فيها ظلم ولا تقصير، لما كان هذا الإخبار مطابقًا للواقع، ولا يؤمر به.

وقوله: "ولا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت"، إقرارٌ بوحدانية الباري -سبحانه وتعالى-، واستجلاب لمغفرته بهذا الإقرار؛ كما قال تعالى: "علم أنَّ له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب"، وقد وقع في هذا الحديث امتثالٌ لما أثنى الله تعالى في قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٣٥].

وقوله: "فاغفرْ لي مغفرةً من عندِكَ" فيه وجهان: أنه إشارة إلى التوحيد في قوله: "ولا يغفرُ الذنوب إلا أنت" كأنه قال: لا يفعل هذا إلا أنت، فافعله أنت، والثاني: وهو أحسنها، أنه إشارة على طلب مغفرة مبتدأ بها من عند الله تعالى لا يقتضيها سببٌ من العبد من عمل حسن وغيره، بل هي رحمة من عنده -سبحانه وتعالى- متفضلٌ بها، ولا إدلال بسبب من الأسباب، فإن الإدلال بالأعمال، والاعتقاد بكونها موجبة للثواب وجوبًا عقليًّا، يقتضي أن للعبد فيها سببًا، وليس الأمر كذلك، بل الله سبحانه المتفضل بالسبب والمسبب، فكل منهما من عنده، ليس للعبد فيه مدخل سوى توفيق الله -سبحانه وتعالى-، وهو خلق قدرة الطاعة فيه، فشرفَ بذلك.


(١) رواه ابن ماجه (٢٧٧)، كتاب: الطهارة، باب: المحافظة على الوضوء، والإمام أحمد في "المسند" (٥/ ٢٧٦)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١٤٤٤)، والحاكم في "المستدرك" (٤٤٧)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٨٢)، عن ثوبان - رضي الله عنه -.
(٢) رواه الترمذي (٢٤٩٩)، كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع، باب: (٤٩)، وقال: غريب، وابن ماجه (٤٢٥١)، كتاب: الزهد، باب: ذكر التوبة، والامام أحمد في "المسند" (٣/ ١٩٨)، والحاكم في "المستدرك" (٧٦١٧)، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>