للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما أحكامه:

ففيه الأمر بغسل ما شرب منه الكلب أو ولغ، وهو ظاهر في تنجيس الإناء المولوغ فيه، سواء كان طعامًا مائعًا، أو غيره من المائعات.

وأقوى من هذا الحديث في الدَّلالة رواية مسلم في "صحيحه": أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا" (١)؛ لأن لفظة "طهور" معناها: مطهر، والمطهر إمَّا أَنْ يطهِّر الحدث، أو النَّجس، ولا حدث في الإناء وما فيه، ضرورةً، فتعين النَّجس، وهو مذهب الشَّافعي وجمهور العلماء.

وقال بعضهم: المراد: الطهارة اللُّغوية، وهي التنزه عما يُستقذر عادةً لا حكما، ورُدَّ عليه بأَنَّ حملَ اللَّفظ على الحقيقة الشَّرعية مقدَّم على اللُّغويَّة والعرفيَّة، كيف ولا تعارض يقتضيهما؟

وحمل مالك - رحمه الله - هذا الأمر على التَّعبُّد؛ لاعتقاده طهارة الماء والإناء، وربما رجَّحه أصحابه بذكر هذا العدد المخصوص، وهو السَّبع؛ لأَنَّه لو كان للنَّجاسة، لاكتفى بما دون الشَّبع؛ فإنَّه لا يكون أغلظ من نجاسة العذرة، وقد اكتفي فيها بما دون السبع، والحمل على التَّنجيس أولى؛ لأنه متى دار الحكم بين التَّعبد وبين كونه معقولَ المعنى، كان حكمه على معقول المعنى أولى؛ لندرة التَّعبد في الأحكام المعقولة المعنى، وكونُه ليسَ بأغلظ من نجاسة العذرة ممنوعٌ عند القائل بنجاسته، وليس بأقذر منها، والتغليظ لا يتوقف على زيادة الاستقذار، لكن إذا كان أصل المعنى معقولًا، تعين القول به، وإذا وقع في التَّفاصيل ما لا يعقل، اتُّبع في التَّفصيل، ولا ينقض له التأصيل، ولو لم تظهرْ زيادةُ التغليظ في نجاسته، لاقتصر على التَّعبد بالعدد، ورجع في أصل المعنى على معقوليته، وإذا ثبت أن الأمرَ بغسله سبعًا للنجاسة، استدل به على نجاسة عين الكلب، إمَّا لنجاسة لعابه المتصل بفمه؛ لكونه جزءًا منه، وفمُه أشرف


(١) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>