ما فيه، وهو نجس، فكله نجس، أو لكون اللُّعاب نجسًا، وهو عَرَقُ الفم، فعرقه كله نجس، وهو متحلب من البدن، فجميعه نجس.
فتبين من الحديث الدَّلالة على نجاسته فيما يتعلق بالفم، وفي باقي البدن بالاستنباط، وفيه بحث، وهو أن يقال: إنما دلَّ الدَّليل على نجاسة الإناء بسبب الولوغ، وذلك قدر مشترك بين نجاسة عين اللُّعاب والفم، أو تنجسهما باستعمال النَّجاسة غالبًا، والدَّال على المشترك لا يدل على أحد الخاصين، فلا يدل على نجاسة عين الفم أو اللُّعاب، فلا تتم الدَّلالة على نجاسة عين الكلب.
واعترض على ذلك بأَنَّه لو [كانت] العلَّة تنْجيسَ أحدهما، لزمَ أحدُ أمرين: إِمَّا تخصيص العموم، أو ثبوت الحكم بدون علَّته؛ لأنَّه لو فرض تطهير فمه بماءٍ كثيرٍ، أو بأيِّ وجه، فولغ في الإناء، فإمَّا أَنْ يجبَ غسلُه أولًا، أو لا، فَإِنْ لم يجبْ، لزم تخصيصُ العموم، أو ثبوتُ الحكم بدون علَّته، وكلاهما خلاف الأصل. وأجيب عنه بأن الحكم منوطٌ بالغالب، والمذكور من الصُّور نادر، فلا يلتفت إليه، وهذا كلُّه يقوَّي أَنَّ الغسل وتغليظه لأجل قذارته، وهي النجاسة.
وقد استدل على نجاسة الكلب -أيضًا- بأن المولوغ فيه قد أمرنا بإراقته؛ ففي "صحيح مسلم" مرفوعًا: "أَنَّهُ إِذَا وَلَغَهُ، فَلْيُرِقْهُ، وَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا"(١)، ولو كان طاهرًا، لم يأمر بإراقته، فدلّ على نجاسته؛ لنجاسة الكلب، مع نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال.
وإذا ثبت نجاسة الكلب، فهو عام في كل كلب؛ لعموم اللَّفظ، وهو مذهب جمهور العلماء، سواء كان مما يجوز اقتناؤه، وسواء كلب البدوي والحضري.
وفي مذهب مالك أقوال:
أحدها: كمذهب الجمهور في نجاسته.
(١) رواه مسلم (٢٧٩)، كتاب: الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب.