للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثَّاني: يقوم مقامه؛ كالدِّباغ يقوم غَيْرُ الشَّبِّ والقُرظِ مقامَهما، وكالاستنجاء يقوم فيه غيرُ الحجارة مقامَها.

والثالث: إِنْ وجدَ الترابَ، لم يَعْدِلْ إلى غيره، وإِنْ لم يجدْه، جازَ العدول إلى غيره للضرورة، وإن كان يقوم مقامه.

ومن أصحاب الشَّافعي مَنْ قالَ: يجوز إقامة غير التُّراب مقام التراب فيما يفسد باستعماله؛ كالثِّياب، فلا يجوز فيما لا يفسد؛ كالأواني.

وهذه المسألة مبنيَّة على أصل، وهو أَن التعفير لماذا رُوعي؟ اختلف أصحاب الشَّافعي فيه على أوجه:

أحدها: للتعبد يتبع فيه النقل، وقيل: للاستطهار بغير الماء، وقيل: للجمع بين نوعي الطهور: الماء والتُّراب، فعلى الأوَّل والثالث: لا يكفي استعمال غير التُّراب، ولا الغسلة الثامنة، ولا التُّراب النَّجس، ولا المزج بسائر النجاسات المائعات، وعلى الثاني: يجوز؛ لأَنَّه قد استطهر، وهذا كله معانٍ مستنبطة ليس فيها سوى مجرد مناسبة ليست بأمرٍ قويٍّ، فإذا دخلها الاحتمال، رجع إلى النصِّ، وأيضًا -فالمعنى المستنبط إذا عاد على النَّص بإبطالٍ أو تخصيصٍ، مردودٌ عند جميع الأصوليين - والله أعلم -.

وفيه دليل على أَن غسلة التتريب تحصل بالأولى، وهي أولى عند الشَّافعي، قال أصحابه: يُستحب أَنْ يكونَ التُّراب في غير الأخيرة لنأتي عليه بما ينظفه (١)، والأفضل أَنْ يكونَ في الأولى، ويحصل -أيضًا- بكلِّ مرَّة من المرَّات؛ لأن الرِّوايات ثبتت بذلك، ففي بعضها: "أولاهن"؛ كما ذكره "المصنف"، وفي بعضها "أُخراهنَّ" وفي بعضها: "إحداهن" (٢)، ويرجح جعله في الأولى؛ بأنه إذا


(١) في "ح": "يقطعه".
(٢) رواه الترمذي (٩١)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في سؤر الكلب، وقال: حسن صحيح، والإمام الشافعي في "مسنده" (ص: ٨)، وأبو عوانة في "مسنده" (٥٤٢)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٩/ ١٥٨)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>