وأما مارية، فهي -بكسر الراء، وفتح الياء المثناة تحت الخفيفة، بالكسر والفتح فيهما-: الكنيسة المذكورة في الحديث.
وفي هذا الحديث دليل على تحريم تصوير الحيوان، خصوصًا الآدمي الصالح، سواء كان التصوير في حائط، أو ثوب، أو رق، أو مجسدًا قائمًا بذاته، والأحاديث في "الصحيحين" وغيرهما تدل على ما ذكرته، ولقد غلط من حمل التحريم على المجسد القائم بذاته؛ حيث أشبهت الأصنام، وأبعدُ من ذلك من حمل الأحاديث على كراهة التنزيه، وأن التشديد الوارد في التصوير إنما كان في ذلك الزمان لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان، وهذا الزمان انتشر الإسلام، وتمهدت قواعده، فلا تساويه في المعنى، ولا في التشديد في التحريم، وكل من القولين غلط باطل قطعًا؛ حيث أخبرنا الشارع - صلى الله عليه وسلم - بعذاب المصورين في الآخرة، وأنه يقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وذلك مخالف لمقالتهم، كيف وقد صرح في قوله - صلى الله عليه وسلم - في وصف المصورين: المشبهون بخلق الله، وهذه علة عامة مستقلة مناسبة لا تحصى زمنًا دون زمن، وليس لنا التصرف في النصوص المتظاهرة المتظافرة الصريحة بمعنى خيالي يمكن ألا يكون مرادًا، مع اقتضاء اللفظ للتعليل بغيره، وهو التشبيه بخلق الله.
وفيه دليل على منع بناء المساجد على القبور، وهو منع يقتضي التحريم، كيف وقد ثبت في الحديث الآتي لعنُ اليهود والنصارى على اتخاذ القبور مساجد، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد"(١).
وفيه: دليل جواز حكاية الإنسان ما رآه من البناء والتصاوير، وأنه لا حرج في ذلك.
وفيه: دليل على وجوب البيان عند حكاية ما يقتضي مخالفة الشرع.
(١) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (١/ ١٧٢)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٢/ ٢٤١)، عن عطاء بن يسار، مرسلًا. ورواه موصولًا: ابن عبد البر في "التمهيد" (٥/ ٤٢)، من طريق البزار، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.