للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آخره؛ لأنهم في علمهم بالله معتمدون على دلالة السمع عندهم، وإن كان الفعل عندهم لا يمنع أن يعرف الله تعالى من كذب رسولًا.

قال القاضي عياض - رحمه الله -: ما عرف الله تعالى من شبهه وجسمه من اليهود، أو أجاز عليه البداء، أو أضاف إليه الولد منهم، أو أضاف إليه الصاحبة والولد، وأجاز الحلول عليه والانتقال والامتزاج من النصارى، أو وصفه بما لا يليق به، أو أضاف إليه الشريك والمعاند في خلقه من المجوس والثنوية، فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله، وإن سموه به؛ إذ ليس موصوفًا بصفات الإله الواجبة له، فإذا ما عرفوا الله سبحانه، فتحقق هذه النكتة، واعتمد عليها، وقد رأيت معناها لمتقدمي أشياخنا، وبها قطع الكلام أبو عمران الفارسي من عامة أهل القيروان عند تنازعهم في هذه المسألة. هذا آخر كلام القاضي - رحمه الله - والله أعلم (١).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن همْ أَطاعوا لكَ بذلكَ، فأخبرهم أن الله فرضَ عليهم خمسَ صلوات في كلِّ يوم وليلةٍ".

اعلم أن طاعتهم بالإيمان بالنطق بالشهادتين كما تقدم، وأما طاعتهم بالصلاة، فتحتمل أمرين:

أحدهما: إقرارهم بوجوبها، واعتقاد فرضيتها، والتزامهم بها.

الثاني: طاعتهم بالفعل، وأداؤها، ويحتمل أن المراد مجموع ذلك، وهو الظاهر، لكن رجح الأول بأمر معاذ بإخبارهم بالفرضية، فتعود الإشارة إليها، ورجح الثاني بأنهم لو بادروا إلى الامتثال بالفعل، لكفى، ولم يشترط بلفظهم بالإقرار للوجوب، وكذلك في الزكاة، لو بادروا بأدائها من غير لفظ بالإقرار، لكفى، فالشرط عدم الإنكار للوجوب، لا التلفظ بالإقرار، وإنما كان كذلك؛ لأن المبادرة إلى الفعل متضمن الامتثال والإقرار بالوجوب، فهو أبلغ في ذلك جميعه، لا أنه المطلوب فقط ظاهرًا، بل مطلوب الشرع وجود الامتثال للأمر


(١) انظر: "شرح مسلم" للنووي (١/ ١٩٩ - ٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>