للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بسوابقه ولواحقه، لكن هل يستفاد ذلك من صيغة الأمر بالمطلوب، أم من أمر خارج؟ فيه كلام في أصول الفقه.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله تعالى قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" الضمير في فقرائهم وأغنيائهم عائد إلى المسلمين، أم إلى كل ناحية منهم؟ فإن نظرنا إلى عموم الحكم، جعلنا الضمير عائدًا إلى جميع المسلمين، وإن نظرنا إلى خصوصية المبعوث إليهم أهل اليمن، رددناه إلى الناحية، فيختص الحكم بهم، لكن أعيان الأشخاص في قواعد الشرع الكلية غير معتبر، ولولا المناسبة الموجودة في باب الزكاة، لقطعنا بعدم اعتبار خصوصية الناحية، كما هي غير معتبرة في الصلاة قطعًا في الحكم، وتظهر فائدة هذا الكلام في جواز نقل الزكاة وعدمه عن بلد المال، وفيه اختلاف.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائمَ أموالهم" الكرائم: جمع كريمة، وهي جامعة الكمال في حقها؛ من غزارة لبن، وجمال صورة، أو كثرة اللحم، أو الصوف، والرواية: "وإياك وكرائم" بالواو في "وكرائم"، قال ابن قتيبة: ولا يجوز إياك كرائمَ، بحذفها (١)، قال الفقهاء: والكرائم؛ كالأكولة، والربَّى، وهي التي تربي ولدها، والماخض، وهي الحامل، وفحل الغنم، وحرزات المال، وهي التي تحرز بالعين وترمق؛ لشرفها عند أهلها.

والحكمة في منع الساعي من أخذ ذلك: أن الزكاة وجبت مواساة للفقراء من مال الأغنياء، فلا يناسب ذلك الإجحاف بأرباب الأموال، فسامحهم الشرع بما يضنون به، [ونهى] الساعي عن أخذه.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" هذا تنبيه على الامتناع من جميع أنواع الظلم، وذكر ذلك عقب أخذ كرائم الأموال؛ حيث إن أخذها ظلم، وعلل اتقاء دعوة المظلوم بعدم الحجاب بينها وبين الله؛ تأكيدًا


(١) انظر: "شرح مسلم" للنووي (١/ ١٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>