هذا، إذا لم ينكر ابن جميل إلا كون الله تعالى أغناه بعد فقره، فلم ينكر منكرًا أصلًا، ويقال: نقم منه الإحسان: إذا جعله مؤديًا إلى كفر النعمة، فيكون معناه: أن غناه أداه إلى كفر نعمة الله تعالى بمنع الزكاة، فما ينقم؛ أي: ما ينكر ويكره إلا أن يكفر النعمة.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنكم تظلمون خالدًا" هو خطاب للعمال على الصدقة؛ حيث لم يحتسبوا له بما أنفق في الجهاد من الخيل والعدة؛ لأنهم طلبوا منه زكاة أعتاده، ظنًّا منهم أنها للتجارة، وأن الزكاة فيها واجبة، فقال لهم: لا زكاة لكم علي، فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن خالدًا منع الزكاة، فقال: إنكم تظلمون خالدًا؛ لأنه حبسها ووقفها في سبيل الله، قبل الحول عليها، فلا زكاة فيها.
ويحتمل أن يكون المراد: لو وجبت عليه زكاة، لأعطاها، ولم يشحَّ بها؛ لأنه قد وقف أمواله لله تعالى متبرعًا، فكيف يشحُّ بواجب عليه؟
ويحتمل أنه لم يقفها، بل رفع يده عنها، وخلى بين الناس وبينها في سبيل الله؛ لأنه احتبسها وقفًا على التأبيد؛ لأنه صرفها مصرفها؛ حيث تعينت للجهاد، وقد جعل الله تعالى له حظًّا من الزكاة، فرأى صرفها فيه، فاشترى بها ما يصلح له كما يفعله الإمام، فلما تحقق النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، قال:"إنكم تظلمون خالدًا"؛ فإنه قد صرفها مصرفها، وأجاز له ذلك.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله" احتبس بمعنى: وقف، ويحتمل أن يكون بمعنى: إبانة اليد عن الملك لله تعالى؛ كما ينقل المهدي لبيت الله تعالى فيها بالتخلية بينها وبين مستحقها، والأدراع: جمع درع، ويكون من الحديد وغيره، وأعتاده: هذه اللفظة رويت على أوجه:
أحدها: أعتاده كما ذكره المصنف، وأنكرها بعضهم، وهي ثابتة في "صحيح مسلم".
الثاني: أعتدة -بالتاء ثالث الحروف-، وهي والأعتاد جمع قلة لعَتَد -بفتح العين والتاء-، وهو الفرس الصلب، وهو قيل: المعدّ للركوب، وقيل: السريع