وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الأنصارُ شِعارٌ، والنَّاسُ دِثار" الشعارُ: الثوب الَّذي يلي الجلد من الجسد، والدثار: الثوب الَّذي فوقه، واستعمال هذين اللفظين مجاز عن العرب، والاختصاص والتمييز لهم على غيرهم في ذلك؛ حيث إن المطلوب إنما هو في النصرة في الدين، والمواساة عليها، فلما كانت الأنصار أقْوَمَ بهذا الوصف من غيرهم، كانوا أقرب إليه - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة الثوب الَّذي يلي الجسد، بخلاف غيرهم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم ستلْقَوْنَ بعدي أَثَرة" الأثرة: الاستئثار بالمشترَك؛ أي: يُستأثر عليكم، ويُفضل عليكم غيرُكم بغير حق، ولا شك أن هذا من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ هو إخبار عن أمر مستقبل وقع على وَفقْ ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - من الاستئثار عليهم بالدنيا، والأثرة: اسم من أَثَر يُؤثر إيثارًا، وهو -بفتح الهمزة والثاء، على المشهور-، وقيل: -بضم الهمزة وسكون الثاء- لغتان صحيحتان، ويقال: إثرة: -بكسر الهمزة وسكون الثاء-، وهي قليلة، قال أبو علي القالي: ومعناها: الشدة، وبه كان يتأول الحديث، ولكن التفسير الأول أظهر، وعليه أكثر، وسياق الحديث وسببه يشهد له، وهو إيثارهم المهاجرين على أنفسهم، فأجابهم - صلى الله عليه وسلم - بهذا (١)، وفي الحديث: فآثر الأنصار المهاجرين؛ أي: فضلوهم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فاصبروا حتى تَلْقَوْني على الحوض" أصل الصبر: الحبس،
ومعناه: حبس النفس عن حظوظها الدنيوية رجاء للحظوظ الأخروية، فأمرهم - صلى الله عليه وسلم - بذلك؛ لرضاه لهم - صلى الله عليه وسلم - بالأخرى على الأولى؛ لعلمه وتحققه أنها خير من الأولى وأبقى؛ كما أخبر به - سبحانه وتعالى - في القرآن العزيز عن صحف إبراهيم وموسى - صلى الله عليه وسلم -، ولا شك أن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، والجميل منه: الَّذي لا شكوى فيه ولا جزع، ومن لا يتعاطاه ويوصي به