للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لم تجب، لما أمره بإخراجها، ولو سقطت بالعجز، لم يكن عليه شيء، فدل على ثبوتها في ذمته، وإذنه له بإطعام عياله للاضطرار وإزالته تجب على الفور، والكفارة لا تجب على الفور، بل على التراخي، خصوصًا في هذا الحال، وهي صدقة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "خيرُ الصدقةِ ما كانَ عن ظهرِ غِنًى" (١)، فلم يكن له أن يتصدق على غيره، وتأخيرُ البيان إلى وقت الحاجة جائزٌ عند جماهير الأصوليين، والله أعلم.

ولو جامع ناسيًا، فهل يفطر، وتجب عليه الكفارة، أم لا يفطر، ولا تجب، أم يجب القضاء والإمساك ولا كفارة؛ ثلاثة مذاهب تقدم ذكرُها في الحديث قبله، والصحيح عند الشافعي: أنه لا يفطر، ولا كفارة؛ كالأكل ناسيًا، واحتج من قال بوجوبها بأنه حكم ورد على جواب سؤال من غير استفصال عن عمد أو نسيان، فنزل منزلة العموم؛ لأن الحكم من الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا ورد عقب ذكر واقعة محتملة لأحوال مختلفة الحكم، كان حملُه على العموم أولى؛ حملًا على الفوائد المتكثرة، والجواب عن ذلك: بأن حالة النسيان في حق هذا السائل بعيدة جدًّا بالنسبة إلى الجماع، ومحاولة مقدماته، وطول زمانه، وعدم اعتياده في كل وقت، فلم يحتج إلى الاستفصال بناء على الظاهر، وقد قال: هلكت، فإنه يشعر بتعمده ظاهرًا، ومعرفته بالتحريم، والله أعلم.

ومنها: جريان وجوب العتق ثم الصوم ثم الإطعام مرتبا لا مخيرًا، وهو قول جميع العلماء، وهو قول ابن القاسم في "المدونة" (٢)، ولا يعرف عن مالك في ذلك غير الإطعام وعدم جريان العتق والصوم في كفارة المفطر.

قال شيخنا الإمام أبو الفتح بن دقيق العيد - رحمه الله -: وهي معضلة زَبّآء ذات وبر، يهتدى إلى ترويجها مع مصادمتها الحديث.


(١) رواه البخاري (١٣٦١)، كاب: الزكاة، باب: لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومسلم (١٠٣٤)، كتاب: الزكاة، باب: بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه -.
(٢) انظر: "المدونة الكبرى" لابن القاسم (١/ ٢١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>