غير أن بعض المحققين من أصحابه حمل هذا اللفظ وتأوله على الاستحباب في تقديم الطعام على غيره من الخصال، وذكروا وجوهًا في ترجيح الطعام على غيره، منها: أن الله تعالى ذكره في القرآن رخصة للقادر؛ يعني: في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة: ١٨٤]، ونسخ هذا الحكم لا يلزم منه نسخ الفضيلة بالذكر والتعيين للإطعام لاختيار الله تعالى له في حق الفطر.
ومنها: جريان حكمه في حق من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان ثان.
ومنها: مناسبة إيجاب الإطعام لجبر فوات الصوم الَّذي هو إمساك عن الطعام والشراب، وهذه الوجوه لا تقاوم ما دل عليه الحديث من البداءة بالعتق ثم الصوم، ثم بالإطعام، فإن هذه البداءة إن لم تقتض وجوب الترتيب، فلا أقلَّ من أن تقتضي استحبابه، وقد وافق بعض أصحاب مالك على استحباب الترتيب على ما جاء في الحديث، وبعضهم قال: إن الكفارة تختلف باختلاف الأوقات، ففي وقت الشدائد تكون بالإطعام، وبعضهم فرق بين الإفطار بالجماع والإفطار بغيره: يكفر بالإطعام لا غير، وهذا أقرب مخالفة للنص من الأول.
أما ترتيبها والتخيير فيها، فقد اختلف فيه مالك والشافعي، فقال مالك: إنها على التخيير، ومذهب الشافعي أنها على الترتيب، وبه قال أصحاب مالك، واستدل على الترتيب في الوجوب بالترتيب في السؤال بأن قوله أولًا:"هل تجد رقبة تعتقها؟ "، ثم رتب الصوم بعد العتق، ثم الإطعام بعده.
ونازع القاضي عياض في ظهور دلالة الترتيب في السؤال على ذلك، وقال: مثل هذا قد يستعمل في التخيير، وقال: فيدل على الأولوية مع التخيير، وهو غير مسلم؛ فإن ذكر هذه الأشياء الثلاثة مرتبة في معرض البيان والسؤال بمنزلة الشرط للحكم، ومقتضى ذلك الترتيب لا التخيير، والله أعلم.
ومنها: أن إطلاق الرقبة يدل على جواز إعتاق الرقبة الكافرة في الكفارة، وهو قول أبي حنيفة وغيره، وقال الشافعي: لا يجوز إلا رقبة مؤمنة؛ حملًا