وقال آخرون: لمَّا تردَّد اللَّفظُ بين أَنْ يكونَ للغاية، أو بمعنى "مع"، فاقتضى الإجمالَ؛ فبينه فعله - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث أدارَ الماء على مِرْفقيه، وفعلُه - صلى الله عليه وسلم - أصلٌ في بيان المجمل، خصوصًا في الوجوب.
قال شيخنا أبو الفتح محمَّدُ بنُ عليِّ بنِ وهبٍ القشيريُّ - رحمه الله -: وهذا عندَنا ضعيفٌ؛ لأنَّ "إلى" حقيقةٌ في انتهاءِ الغَاية، مجازٌ بمعنى "مع"، ولا إِجْمَالَ في اللَّفظ بعدَ تبيين حقيقته، ويدلُّ على أَنَّها حقيقة في انتهاء الغاية: كثرةُ نصوصِ أهلِ العربيَّة على ذلك، ومَنْ قال بأنَّها بمعنى "مع"، لم ينصَّ على أنَّها حقيقةٌ في ذلك؛ فيجوز أَنْ يريدَ المجاز (١).
قوله:"ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ" هذه الباء مقتضاها عند الشَّافعي التبعيضُ في الآية الكريمة، ويجيء ذلك هنا.
وأنكر أَنْ تكونَ للتَّبعيضِ جماعةٌ، وقالوا: مسحَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جميعَ رَأْسِه، بدأَ من مقدَّمِه إلى مؤخَّرِه، أقبلَ بيديه وأدبرَ، وهو مبينٌ للمراد من الآية، ولا شكَّ أن اسمَ الرأسِ حقيقةٌ في العضوِ كلِّه، لكنَّ الفقهاءَ اختلفوا في القَدْرِ الواجِبِ مِنَ المسحِ، وليس في الحديث ما يدلُّ على الوجوب لمسح جميعه؛ لجواز أَنْ يكونَ الثوابُ المخصوصُ على هذهِ الأفعالِ؛ إذ لا يلزمُ منه عدمُ الصِّحة عند عدم كلِّ جزءٍ من تلك الأفعال، كما رتَّبه فيه على المَضْمَضة والاسْتِنْشَاق، وإِنْ لم يكونا واجبينِ عندَ كثيرٍ من الفقهاءِ أو الأكثرينَ، وادِّعاءُ الإجمال فيه كما في المرفقين، وأَن الفعلَ بيانٌ له، ليسَ بصحيحٍ؛ لأنَّ الظَّاهرَ من الآية بيِّن، إمَّا على مطلَق المسح؛ كما يقوله الشَّافعي - رحمه الله -، أو على الكلِّ؛ كما يقوله مالكٌ - رحمه الله - في أنَّ الرأسَ حقيقةٌ في كلِّه، والتبعيض لا يعارضُه، فلا إجمالَ، وهذا قويٌّ، وهو قولٌ عن الشَّافعيِّ - رحمه الله -.
واتفق العلماءُ على أنَّ المسحَ لا يتعيَّن على الشَّعر، ولا على البشرة في حقِّ