للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من له شعر، بل أيَّهما مَسَحَ عليه، أجزأه، فلا نقولُ: إنَّ مسحَ الشَّعر بدلٌ عن البَشرة؛ كما يقول في الخُفِّ - والله أعلم -.

قوله: "ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ" فيه الصَّراحةُ بوجوبِ غسلِهما، والرَّدُّ على الروافض في أن واجبَ الرِّجلين المسحُ، وقد تبيَّن ذلك -أيضًا- من حديثِ جماعةِ من الصَّحابة - رضي الله عنهم - في "الصَّحيح" وغيره، وأنَّهم وصفُوا وضوءَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن أحسنِ الأحاديثِ في ذلك حديثُ عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ -بفتح العين المهملة والباء الموحدة-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ" إلى أَنْ قالَ: "ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ كَمَا أَمَرَهُ الله" (١)، فمن هذا الحديث انضمَّ القولُ إلى الفعلِ، وتَبَيَّنَ أن المأمورَ به الغَسْلُ.

قوله: "ثَلاَثًا" فيه استحبابُ التثليث في غَسْلِ الرِّجلين، وبعضُ الفقهاء لا يراهُ، واستُدِلَّ له بأنَّه ورد في بعض الرِّوايات: "فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا" (٢)، ولم يذكرْ عددًا، وأُكِّد من جهة المعنى بقرب الرِّجْلِ مِنَ الأرض في المشي، وكثرةِ مباشرتها الأوساخَ والأدران، فاقْتَضَى الإِنقَاء مِنْ غَيرِ عددٍ، لكن هذا لا ينافي العددَ، لِمَا في ذكرِ العَدَدِ من الزيادة عليه، فتعيَّنَ العملُ به؛ لدلالةِ لفظِ الحديث عليه من غير وجه - والله أعلم -.

وقوله: "نَحْوَ وَضُوئي هَذَا" اعلم أن لفظةَ "نحو" لا تطابقُ لفظةَ "مِثْل"؛ فإنَّ المِثْلَ يقتضي ظاهرًا المساواةَ من كل وجه، إلا من حيثُ حقيقةُ "مِثْل" و"نَحْو" في خروجهما عن الوحدة، واقتضاء التغاير، لكنَّ لفظةَ "نَحْو" لا تُعطي المثلية، وإِنِ استُعملَتْ كذلك لغةَ لا اصطلاحًا عرفيًّا، فيكونُ استعمالُها فيها مجازًا، ولهذا فرَّقَ المحدِّثونَ بين "نَحْو" و"مِثْل"، فقالوا فيما كانَ مثلَ الإسنادِ أو المتنِ من كُلِّ وجهٍ: مِثْلَهُ، كما استعمله مسلم في "صحيحه" في غير موضع، وقالوا:


(١) رواه مسلم (٨٣٢)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: إسلام عمرو بن عبسة، والإمام أحمد في "المسند" (٤/ ١١٢).
(٢) رواه مسلم (٢٣٦)، كتاب: الطهارة، باب: في وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>