للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"نَحْوَه" فيما قارب الإسنادَ والمتنَ، حتى استدلُّوا على الَّذينَ قالوا بالفرق بينهما، وألزموهم بمنعهم الرِّوايةَ بالمعنى.

ولعلَّ واصفَ وضوءِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وروايتَه عنه - صلى الله عليه وسلم - لفظةَ "نَحْوَ وَضُوئي" لحظَ الفرقَ بينهما؛ من حيثُ إنَّ مِثْلِيَّةَ وُضوئهِ - صلى الله عليه وسلم - لا يتأتَّى لأحدٍ إلَّا مِنْ حيثُ امتثالُ الأمرِ، وحصولُ الثوابِ المناسبِ للمتوضِّئ على قدر التبعية فيه؛ لأنَّه قد يكون في وضوئه - صلى الله عليه وسلم - أشياءُ لم نُكلَّفْ بها، فتكون ملغاةً بالنِّسبة إلينا، فيكون ذكرُ ذلك بيانًا للفعل الَّذي يَحصُلُ الثوابُ الموعودُ به، وعليه: فلا بدَّ أن يكونَ الوضوءُ المفعولُ موصوفًا لأجل الغرض المطلوب، فلهذا استعملَ "نَحْو" في حقيقتها العرفية، مع فوات المقصودِ، لا بمعنى "مِثْل"، أو يكون ترك ما علم قطعًا أَنَّه لا يُخِلُّ بالمقصود - والله أعلم -، مع أنَّ لفظةَ: "مثل" ثابتةٌ عنه - صلى الله عليه وسلم - بإسنادِ "الصَّحيحينِ" في "سنن أبي داود"، وغيره (١).

قال شيخُنا الحافظُ الموفقُ أبو الفتحِ المعروفُ بابنِ دقيقِ العيدِ - رحمهُ اللهُ -: ويمكن أَنْ يُقالَ: إنَّ الثوابَ يترتَّب على مقاربةِ ذلكَ بالفعل تسهيلًا وتوسيعًا على المخاطَبين، من غير تضييق وتقييد بما ذكرناه إِلَّا أنَّ الأولَ أقربُ إلى مقصود البيان (٢).

واعلمْ أن غفرَ ما تقدَّم من ذنوب المتوضِّئ مرتَّبٌ على أمرين:

أحدهما: وضوءُه على النَّحو المذكور.

والثَّاني: صلاةُ ركعتين بعدَه بالوصف المذكور في الحديث، والمترتَّبُ على مجموع أمرين لا يلزمُ ترتبه على أحدهما إلا بدليلٍ خارجٍ، وقد يكونُ الشَّيء ذا فضلٍ بوجودِ أحدِ جزأَيْه، فيصحُّ كلامُ مَنْ أدخلَ الحديثَ في فضل الوضوء فقط؛ لحصول مطلق الثواب، لا الثواب المخصوص على مجموع الوضوء على النَّحو


(١) رواه أبو داود (١٠٦)، كتاب: الطهارة، باب: صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك رواه مسلم (٢٢٩)، كناب: الطهارة، باب: فضل الوضوء والصلاة عقبه.
(٢) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (١/ ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>